للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبو بكر وأصحابه، رضي اللَّه عنهم أجمعين.

وقوله - تعالى -: (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا): يدل على إمامة أبي بكر - رضي اللَّه عنه - لأنه كان الداعي إلى حرب أهل الردة.

فَإِنْ قِيلَ: يجوز أن يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هو الذي دعاهم - قيل له: قال اللَّه - تعالى -: (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) فمحال أن يدعوهم فيطيعوا، وقد قال اللَّه - تعالى -: إنهم لن يخرجوا معه أبدًا.

فَإِنْ قِيلَ: قد يجوز أن يكون عمر - رضي اللَّه عنه - هو الذي دعاهم - قيل له: فإن كان، فإمامة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثابتة بدليل الآية، وإذا صحت إمامته صحت إمامة أبي بكر - رضي اللَّه عنه - لأنه المختار له والمستخلف.

فَإِنْ قِيلَ: قد يجوز أن يكون علي - رضي اللَّه عنه - هو الذي دعاهم إلى محاربة من حارب - قيل له: قال اللَّه - تعالى -: (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ)، وهذه صفة من يُحَارَبُ من مشركي العرب الذين لا تقبل منهم الجزية، وعلي - رضي اللَّه عنه - إنما حارب أهل البغي وهم مسلمون، ولم يحارب أحد بعد النبي أهل الردة غير أبي بكر - رضي اللَّه عنه - فكانت الآية دليلا على صحة إمامته.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)

(فسوْفَ) كقوله: (عَسَى)، والعسى من اللَّه واجب. أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه يأتي بقوم يحبهم؛ لبذلهم أنفسهم في مجاهدة أعداء اللَّه، وتركهم في اللَّه لومة لائم؛ فذلك لحبهم لله؛ لأنه لا أحد يبذل نفسه للهلاك، وترك لومة لائم - إلا لمن يحب اللَّه، وأحبهم اللَّه: لما أثنى عليهم بقوله: (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ)، وحبهم لله: لما بذلوا أنفسهم في مجاهدة أعدائه، وتركهم لومة لائم.

وفيه دلالة إثبات إمامة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه - عَزَّ وَجَلَّ - أثنى عليهم بخروجهم في سبيل اللَّه ومجاهدة أعدائه؛ فلو كان غاصبًا ذلك على عليٍّ - رضي اللَّه عنه - أو كان غير محق لذلك - لم يكن اللَّه ليثني عليه بذلك؛ لأنه كان آخذًا ما ليس له أخذه

<<  <  ج: ص:  >  >>