للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كثر استعمال لفظ " التأويل " في القرآن الكريم بمعنييه، فمن الأول قول اللَّه تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) يعني ما يئول إليه في وقت بعثهم ونشورهم.

ومن الثاني قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}، فالتأويل هنا يعني التفسير والتعيين والتوضيح.

التأويل اصطلاحًا:

التأويل عند السلف في تعريفه غيره عند الخلف؛ فالتأويل عند السلف يأتي على معنيين:

الأول: تفسير الكلام وبيان معناه، وبذلك يكون التأويل والتفسير مترادفين.

والثاني: هو نفس المراد بالكلام، فإن كان الكلام طلبًا كان تأويله نفس الفعل المطلوب، وإن كان خبرًا كان تأويله نفس الشيء المخبر به.

وبين هذا المعنى والذي قبله فرق ظاهر، فالذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم والكلام: كالتفسير والشرح والإيضاح، ويكون وجود التأويل فيه القلب واللسان، وله الوجود الذهني واللفظي والرسمي. وأما هذا فالتأويل فيه نفس الأمور الموجودة في الخارج، سواء أكانت ماضية أم مستقبلية، فإذا قيل: طلعت الشمس، فتأويل هذا هو نفس طلوعها، وهذا في نظر ابن تيمية هو لغة القرآن التي نزل بها؛ ولهذا يمكن إرجاع كل ما جاء في القرآن الكريم من لفظ التأويل إلى هذا المعنى الثاني.

أما الخلف من المتفقهة والمتكلمين والمتصوفين وغيرهم فقد رأوا أن التأويل يعني: صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به.

والمتأول عندهم يحتاج إلى أمرين:

الأول: أن يبين احتمال اللفظ للمعنى الذي حمله عليه وادعى أنه المراد.

الثاني: أن يبين الدليل الذي أوجب صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معناه المرجوح، وإلا كان تأويلاً فاسدًا وتلاعبًا بالنصوص.

ومن ثم قال الزركشي: " التأويل: التمييز بين المنقول والمستنبط؛ ليحمل على

<<  <  ج: ص:  >  >>