للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمودة، على ذلك تَجَمُّعُهُم في الابتداء، لكن لما شربوا وأخذهم الشراب وقع بينهم العداوة والبغضاء؛ فكان قصده إلى جمعهم في الابتداء على المحبة والمودة ما ظهر منه في العاقبة من إيقاع العداوة بينهم، وتفريق جمعهم، وهو كقوله - تعالى -: (يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) ولو دعاهم إلى عذاب السعير لكانوا لا يجيبونه، لكن دعاهم إلى العمل الذي يوجب لهم عذاب السعير، فعلى ذلك هو يدعوهم إلى الاجتماع في الخمر والميسر إلى ما يوجب ويوقع بينهم العداوة والبغضاء، ففيه أن الأعمال ينظر فيها العواقب؛ كما روي: " الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ ".

وفي الآية دليل تحريم الخمر؛ لأنه قال: (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) والرجس حرام؛ كقوله تعالى: (فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا)، وما يدعو إليه الشيطان -أيضًا- حرام، وكذلك قوله: (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)، والحلال المباح لا إثم فيه، ولا يسمى رجسًا، وكذلك روي عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قام، فخطب الناس، فقال:، يَا أيها الناسُ، إِنَّ اللَّهَ يُعَرِّضُ عَلَى الخَمرِ تَعْرِيضًا، لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ سَيُنْزِلُ فِيهَا " ثم قال: " يَا أَهْلَ المَدِينَةِ، إن اللهَ قَدْ أَنْزَلَ تَحْرِيمَ الخَمرِ، فَمَنْ كَتَبَ هَذِهِ الآيَةَ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شيء فَلَا يَشْرَبْهَا، وَلَا يَبِعْهَا " قال: فسكبوها في طريق المدينة.

وعن عمِر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما نزل تحريم الخمر قال: " اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت الآية التي في البقرة: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) فقرئت عليه؛ فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت الآية التي في النساء: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى)، فكان منادي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة قال: " لا يقرب الصلاة سكران " فدعي عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقرئت عليه؛ فقال: " اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء ". فنزلت الآية التي في المائدة: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) فدعي عمر -

<<  <  ج: ص:  >  >>