للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السِّقَاء ".

وقال بعض الناس: ما قتل المحرم من السباع التي لا يؤكل لحمها؛ فلا فدية عليه؛ فكان تاركًا لظاهر الآية، وهو قوله - تعالى -: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُ). فإن احتج بحديث ابن عمر - رضي اللَّه عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - رخص للمحرم في قتل خمس من الدواب، وذلك ما لا يؤكل لحمه - قيل: أباح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قتل الخمس؛ لعلة: أنه لا يؤكل لحمها. فإن قال: نعم - قيل: ما الدليل على ذلك؟ فإن قال: لأنها لا تؤكل؛ فكل ما لا يؤكل من الصيد فقتله مباح؛ فيقال له: قولك: " لا يؤكل " ليس بعلة؛ لأن ذلك لا يزول ولا يتغير، والعلة هي التي تحدث في وقت وتزول في وقت، ولو كان قول القائل: " لا يؤكل "، علةً فيما لا يؤكل - كان قوله: " يؤكل "، علة فيما يؤكل، وكان الشيء علة لنفسه. وهذا بين الخطأ، وإذا لم يكن تحريم أكل الخمسة التي أذن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في قتلها للمحرم علة في إطلاق قتلها، ما كان القياس عليها على ما لا يحل أكله مخطئا؛ لأن القياس إنما يكون على العلل، وما لا علة فيه لا يجوز القياس عليه.

وعندنا: أن هذه الخمسة المسماة تبتدئ المحرم وغيره بالأذى، وإن لم يبتدئها المحرم، وما سوى ذلك مما لا يؤكل لحمه - لا يكاد يبتدئ بالأذى حتى يبتدئها الإنسان؛ فحينئذٍ تعرض له.

وبيان ذلك: أن الحدأة ربما أغارت على اللحم تراه في يدي الرجل، والغراب يسقط على وبر الدواب فيفسده، والعقرب تقصد من تلدغه، وتتبع حسَّه، والكلب العقور لا يكاد يهرب من الناس كما يهرب السباع سواه.

فأما الضبع والخنزير والكلب والذئب وأشباهها فهي تهرب من بني آدم، ولا تكاد تؤذيهم حتى يبدءوها بالأذى؛ لذا جعلنا العلة فيما رخص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - للمحرم في قتله: ما يعرف من قصدها لأذى المحرم وإن لم يؤذها المحرم؛ إذ كان ذلك معروفًا فيها، معلومًا

<<  <  ج: ص:  >  >>