للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البشر، وألا شريك لله، فبدا للأتباع ما كان الرؤساء يخفون في الدنيا.

ويحتمل: وبدا لهم من صنيعهم ما قد أسروه وأضمروه في أنفسهم ظنوا أنه لا يطلع على ذلك أحد، وذلك كقوله: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ)، وقوله: (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ)، وغير ذلك.

ويحتمل: ما كانوا يخفون من الخلق، أو بدا لهم ذلك بالجزاء.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ رُدُّوا) أي: إلى ما تمنوا أن يردوا إليه.

(لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ).

أخبر اللَّه عن علمه بما قد أسروه في ذلك الوقت إنما كان في علمه أن يكون، وإن كان من حكمه ألا يردوا في ذلك وأن الآية لا تضطر صاحبها، ولا قوة إلا باللَّه.

وقال قوم: إن الخلود يلزم في النار بما هم في علم اللَّه أنهم يلزمون ما هم عليه لو مكثوا للأبد.

وقال قوم: لم يجز لزوم العذاب بما يعلم اللَّه من العناد من أحد لو امتحن بلا محنة ولا خلاف، فعلى ذلك أمر الخلاف، لكن الآية في خاص منهم، وهم الذين اعتدوا وعاندوا الحق بعد الوضوح، على ما ذكر في كثير من الكفرة أنهم لا يؤمنون أبدا، ثم أمهلهم على ذلك، وهذا يبين أنه ليس يمنع الإعادة لما يعودون له لو كان يحتمل في الحكمة الإعادة؛ إذ قد أمهل وأبقى على العلم بذلك، فعلى ذلك الإفادة، لكنه أخبر عن تعنتهم.

ثم ظنت المعتزلة أن اللَّه لو علم أنهم يؤمنون لردهم إلى ذلك وإذ بين أنهم لا يؤمنون فيستدلون بهذا على أنه ليس لله قبض روح مَنْ يعلم أنه لو لم يقبضه يؤمن يومًا من الدهر وقد بينا نحن أن ذلك لا يجب، وإن كان أُولَئِكَ في علم اللَّه لن يعودوا إلى ذلك بما قد يترك في الدنيا من يعلم أنه يلزم الكفر، وينجي عن المهالك من يعلم أنه يعود، ثم قد يترك من يعود إلى الكفر على وجود ما به النجاة عنه، واللَّه أعلم.

وبعد، فإن اللَّه - تعالى - قال: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) فبين أنه لم يبسط لئلا يبغوا، وقال: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>