للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم رآهم عبدوا الأصنام وسموها آلهة، فتأمل فوجدها لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر، علم أن مثلها لا يحتمل أن يكون يخلق ما ذكر، وأن الذي ذلك فعله لعلي عظيم، يجب طلب معرفته من العلو بما كان يسمع نسبة الملائكة إلى السماء ونزول الغيث منها، ومجيء النور والظلمة وكل أنواع البركات وغيرها منها، فصرف تدبير الطلب الذي نسب إليه الخلق إليها.

ثم أوّل ما أخذ في التأمل والنظر لم يقع بصره على أحسن وأبهى من الذي ذكر، فظنه ذلك، ثم لما قهر وقد كان علم بأن خالق من ذكر لا يجوز أن يقهر، فمن ذلك علم أنه ليس هو وقال لِمَنْ قَهَرَ، وذلك إلى أن قهر الليل ضوء الشمس، وصار بحيث لا يجري له السلطان، ورأى في الكل آثار التسخير والتذليل، ولم ير فيها أعلام من له الأمر والخلق، فعلم أن الرب لا يدرك من ذلك الوجه، ولا يعرف من جهة الحواس، فرجع إلى ما سمع من أنه خلق السماوات والأرض، فوجه نفسه إليه بالعبودية، واعترف له بالربوبية بما في الخلق من آثار ذلك، وفي القول من تسمية من له الخلق ربا وإلها، فآمن به، وذلك كان أول أحوال احتماله علم الاستدلال وبلوغه المبلغ الذي من بلغه يجري عليه الخطاب، ولا قوة إلا باللَّه.

ومنهم من قال: إنه كان بالغًا قد جرى عليه القلم، وقد كان رأى ما ذكر غير مرة، لكن اللَّه لما أراد أن يهديه ألهمه ذلك وألقاه في نفسه، فانتبه انتباه الإنسان لشيء كان عنه غافلا من قبل، فرأى كوكبًا أحمر يطلع عند غروب الشمس، فراعاه إلى أن أفل، فأراد إذن من اللَّه قربة، وعلم أن ربه لا يزول ولا يتغير، ففزع إليه وقال: (لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ)؛ وكذا ذكر في القمر والشمس إلى أن عرف اللَّه، فتبرأ مما كانوا يشركون، وتوجه بالتوحيد والعبادة إليه؛ وإلى هذا التأويل ذهب الحسن.

الأول: روي عن ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>