للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكذلك في قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) يجب أن يقابل ذلك بخلق؛ إذ هو إضافة إلى فعله.

ثم يخرج على وجهين.

أحدهما: ثم خلق العرش، ورفعه، وأعلاه، بعد أن كان العرش على الماء؛ كقوله: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)، وليس ثم تَنَقُّل من حال إلى حال؛ إذ لو كان كذلك لكان يصير حيث ثم ينتقل من خلق إلى خلق فيما يخلق، فيكون في الوقت الذي يصير إلى العرش صائرًا إلى الثرى، وفي الوقت الذي يحدث خلق ما في الأرض؛ وما في السماء، متنقلًا من ذا إلى ذا، وذلك تناقض فاسد، وفي ذلك بطلان معنى القول بالاستواء على العرش، بل يكون أبدًا غير مستوٍ عليه حتى يفرغ من خلق جميع ما يكون أبدًا، وذلك متناقض فاسد، جل اللَّه عن هذا التوهم، وباللَّه التوفيق.

والثاني: أن يكون قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) أي: إلى العرش في خلقه، ورفعه، وإتمامه، دليل احتماله على ذلك أن على من حروف الخفض وقد يوضع بعض موضع بعض؛ كقوله: (إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ)، بمعنى: عن الناس، وقوله: (إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِم)، بمعنى: عند ربهم، مع ما قال اللَّه: (إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)، (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ)، بمعنى إليه، وعلى ذلك: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) أي: إلى العرش وهو على الماء كما ذكر ما فرفعه وأتمه؛ كما قال: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) فخلق ما ذكر، واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>