للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مغفورة، ليس له أن يعذبهم عليها، فهو أمن من مكره، وييأسون من رحمته لقولهم في الكبائر: إنه ليس له أن يعفو عنهم، وقد أخبر (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) وهم قد أيسوا من رحمة اللَّه في الكبائر، وأمنوا مكره في الصغائر، فهاتان الآيتان على المعتزلة.

وقوله: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ) أي: جزاء مكرهم سمي جزاء المكر مكرًا، كما سمى جزاء السيئة سيئة، وجزاء الاعتداء اعتداء، وإن لم يكن الثاني اعتداء، ولا سيئة، فعلى ذلك تسمية جزاء المكر مكرًا، وإن لم يكن الثاني مكرًا، واللَّه أعلم.

ألا ترى أنه لم يجز أن يسمى مكارًا ولو كان على حقيقة المكر لسمي بذلك؛ فدل أنه جزاء، وجائز أن يكون المراد من مكره جزاء مكرهم سمّي الجزاء باسم المكر؛ لأنه جزاؤه؛ كقوله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)، والثانية ليست بسيئة.

* * *

قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (١٠٠) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (١٠١) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (١٠٢)

قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا).

على تأويل من يجعل الآية في الأمم السالفة، يقول: أو لم يوفقوا ولم يهدوا للصواب بهلاك أمة بعد أمة، وقوم بعد قوم، وعلى تأويل من يقول بأن الآية في هذه الأمة، يقول: ألم يبن لهَؤُلَاءِ الذين ورثوا الأرض من بعد هلاك أهلها أن لو نشاء أصبناهم بعذاب بذنوبهم، كما أصاب أُولَئِكَ العذاب بذنوبهم.

وقوله: (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا)، أي: من بعد هلاك أهلها.

وقوله: (أَوَلَمْ يَهْدِ) على إسقاط الواو والألف، أي: لم يهد للذين يرثون الأرض،

<<  <  ج: ص:  >  >>