للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما غيرها من الحروب والمغازي فلا تخرجوا إليها إلا مستعدين لها.

وبعد: فإنهم إنما تركوا الاستعداد طاعة لربهم، وفي الاشتغال بالاستعداد ترك للطاعة له، وأمر - عَزَّ وَجَلَّ - بالاعتداد لهم ما استطاعوا من الأسباب؛ لما أن ذلك أرهب للعدو من ترك الاستعداد، وإن كان - عَزَّ وَجَلَّ - قادرًا أن ينصرهم على عدوهم بلا سبب يجعله لأنفسهم، وهو كقوله: (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ).

فأمر اللَّه بالأسباب في الحروب، وإن كان قادرًا على نصر أوليائه على عدوه بلا سبب، لكنه أمر بالأسباب؛ لما أن جميع أمور الدنيا جعلها بالأسباب، من نحو الموت والحياة وجميع الأشياء، وإن كان يقدر على إبقاء الإنسان والخلائق جميعًا بلا غذاء يجعل لهم، والموت بلا مرض ولا سبب، ولكن فصل بما ذكرنا.

ثم اختلف في قوله: (مِنْ قُوَّةٍ)؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: القوة: الرمي، وعلى ذلك رووا عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) فقال: " ألا إن القوة الرمي "، قال ذلك ثلاثًا.

ويحتمل قوله: (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ): ما تقوون به في الحروب.

قَالَ بَعْضُهُمْ: الفوة: السلاح.

وقال غيرهم: الخيل.

وأمكن أن تكون جميع أسباب الحرب.

وفيه دلالة أن القوة التي هي أسباب الفعل يجوز أن تتقدم، ويكون قوله: (لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ)، أراد استطاعة الأسباب لا استطاعة الفعل، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)، أمر برباط

<<  <  ج: ص:  >  >>