للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا. . .)، على الأمر، كأنه قال: ليكن منكم عشرون صابرون يغلبوا؛ أمر العشرة القيام للمائة؛ وقالوا: دليل أنه على الأمر قوله: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ) الآية، ولو لم يكن على الأمر والعزيمة، لم يكن لذكر التخفيف معنى.

وقال آخرون: هو على الوعد أنهم إذا صبروا وثبتوا لعدوهم غلبوا عدوهم؛ على ما أخبر: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ. . .) الآية. ليس على الأمر؛ لأنه قال: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ)، أخبر أنهم إذا صبروا غلبوهم، وهو كذلك - واللَّه أعلم - إذ ظاهره وعد وخبر.

والأشبه: أن يكون على الأمر، ليس على الخبر، على ما ذكرنا من قوله: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ).

ما لهم وعليهم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ... (٦٦)

فَإِنْ قِيلَ: ما معنى قوله: (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا)، وقد كان يعلم أن فيهم ضعفًا وقت ما أمر العشرة القيام لمائة، والعشرين لمائتين؟!

قيل: أمر بذلك مع علمه أن فيهم ضعفًا، وإن كان في ذلك إهلاك أنفسهم، وذلك منه عدل؛ إذ له الأنفس إن شاء أتلفها بالموت، وإن شاء بالقتل بقتل العدو، والتخفيف منه رحمة وفضل، أمر الواحد القيام لعشرة على علم منه بالضعف ابتداء؛ امتحانا منه، وله أن يمتحن عباده بما فيه وسعهم وبما لا وسع لهم فيه، وفي الحكمة ذلك؛ إذ له الأنفس، له أن يتلفها كيف شاء بما شاء، وهو ما ذكر بقوله: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ. . .) الآية. ولو لم يكن له في الحكمة ذلك لا يحتمل أن يكتب ذلك عليهم.

والثاني: يعلم فيهم الضعف كائنًا شاهدًا كما علم أنه يكون، وهو ما ذكرنا في قوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ. . .) الآية، أي: يعلمه مجاهدًا كما علم أنه يجاهد؛ فعلى ذلك هذا.

ثم ذكر العشرة والعشرين يحتمل على التحديد.

ويحتمل لا على التحديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>