للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ قَبْلُ) يحتمل قوله: فقد خانوا اللَّه من قبل، فيما عاهدوا أن يوفوا ذلك كقولهم: (لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)، فقد أنجاهم اللَّه عن ذلك فلم يكونوا من الشاكرين، وكقوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ)، فقد آتاهم اللَّه ذلك فلم يفوا ما عاهدوا، وغير ذلك من العهود التي عاهدوا، والأمانات التي اؤتمنوا فيها، فخانوا اللَّه في ذلك.

أو ما عهد إليهم في أمر مُحَمَّد، وإظهار نعته وصفته في كتبهم، فكتموا ذلك، وحرفوه، وأظهروا خلاف نعته وصفته، فذلك منهم خيانة، فيقول: إنهم قد خانوا اللَّه من قبل، فأمكن اللَّه منهم، فإذا خانوك يمكنك اللَّه منهم أيضًا.

وقوله: (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: أمكن منهم، أي: انتقم منهم جزاء خيانتهم، وقَالَ بَعْضُهُمْ: أمكنك حتى انتقصت منهم.

وقوله: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ) ليس على الإرادة، ولكن على وقوع فعل الخيانة؛ كأنه قال: وإن خانوك فقد خانوا اللَّه من قبل، لكنه ذكر الإرادة؛ لما هي صفة كل فاعل مختار؛ لما لا تكون الأفعال إلا بإرادة.

وقوله: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ): بما يسرون ويضمرون من الخيانة ونقض العهود، (حَكِيمٌ): في أمره وحكمه حيث أمكنك منهم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ) أي: خانوك بعد إسلامهم بالكفر بك.

(فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ) أي: فقد كفروا باللَّه قبل هذا؛ يقول: إن خانوك أمكنك منهم فقتلتهم وأسرتهم؛ كما فعلت بهم ببدر.

(وَاللَّهُ عَلِيمٌ): بخلقه، (حَكِيمٌ): في أمره.

* * *

قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>