للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ

(حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ).

يحتمل قوله: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ)، أي: يطلعك اللَّه على نفاقهم، فيكون ذلك آية من آيات النبوة إن لم تأذن لهم بالتخلف.

أو إن لم تأذن لهم يتبين لك نفاقهم؛ لأنهم يتخلفون ويفارقونك؛ وإن لم تأذن لهم، والذين صدقوا لا يفارقونك، فيتبين هَؤُلَاءِ من هَؤُلَاءِ، ويظهر كذب هَؤُلَاءِ من صدق هَؤُلَاءِ المؤمنين.

وفي قوله: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) دلالة أن النبي إنما أذن لهم بالتخلف بلا أمر.

وفيه دلالة جواز العمل بالاجتهاد؛ لأنه لو كان أذن لهم بالتخلف بالأمر، لم يكن ليعاتبه على الإذن، دل أنه إنما أذن لهم بالتخلف بالاجتهاد لما ظن أنهم إنما يستأذنونه بالقعود للعذر.

فَإِنْ قِيلَ: كيف عاتب رسوله بما أذن لهم بالقعود، وقد أخبر أنه إنما كان يحكم بما أراه اللَّه بقوله: (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ).

قيل: يحتمل أنه إنما عاتبه على ترك الأفضل؛ لأن ترك الإذن لهم بالقعود أفضل من الإذن؛ إذ به يتبين له الصادق من الكاذب، ويكون فيه آية من آيات الرسالة، ويجوز أن يعاتب على ترك الأفضل.

ويحتمل أن يكون قوله: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) تعليم من اللَّه أن كيف يعامل الناس بعضهم بعضًا، ليس على العتاب.

ومن الناس من استدل على تفضيل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على غيره من الأنبياء - صلوات الله عليهم - بهذه الآية؛ لأنه بدأ بذكر العفو، وكذلك في جميع ما ذكر من العتاب، لم يذكر زلته، وذكر في سائر الأنبياء الزلات.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤)

أي: لا يستأذنك الذين يؤمنون باللَّه لغير عذر، إنما يستأذنونك لعذر (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... (٤٥) بالقعود لغير عذر.

(وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>