للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم تحتمل الآية جميع الصدقات التي يتصدق بها على الفقراء والمساكين من الفيء وغيره، فبين أن هَؤُلَاءِ موضع لذلك كله، من نحو قوله: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) وقوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا).

ويحتمل زكاة الأموال المفروضة، والوجه فيه ما ذكرنا.

فَإِنْ قِيلَ: إن الرجل إذا أوصى فقال: ثلث مالي لفلان وفلان وفلان، أليس هو مقسومًا بينهما بالسويّة؟ ما منع أن الأول بمثله؟

قيل: لا تشبه الصدقات الوصايا؛ وذلك أن الوصية إنما وقعت في مال معلوم، لا يزيد فيه بعد موت الميت شيئًا، ولا يتوهم له مدد، والصدقات يزيد بعضها بعضًا، وإذا فني مال جاء مال آخر، وإذا مضت سنة جاءت سنة أخرى بمال جديد، فإذا دفع الإمام صدقة جميع ما عنده إلى الفقراء ثم حضره غارمون فتحمل إليه صدقة أخرى يجعلها فيهم، فيصلح بذلك أحوال الجميع؛ لما لا انقطاع للأموال إلى يوم القيامة.

وكيف تقسم الصدقة على ثمانية أسهم؟ ولا خلاف في أن للعاملين بقدر عمالتهم زاد ذلك على الثمن أو نقص منه، فإذا زالت القسمة في أحد الأصناف زالت في الجميع، فأعطي كل صنف منهم بقدر حاجته كما أعطي العاملون، وكيف يصنع بسهم المؤلفة قلوبهم وقد ارتفع ذلك ونسخ؟ وعلى ذلك جاء عن بعض الصحابة، من نحو أبي بكر وعمر أنهم لم يعطوهم شيئًا، أليس يرد ذلك على سائر السهام؟! فإذا جاز أن يزاد على الثمن في وقت، جاز أن ينقص منه في وقت.

وفي قوله: (وَالْعَامِلِينَ) دلالة أن لا بأس للأئمة والقضاة أخذ الكفاية من بيت المال، ولكل عامل للمسلمين أخذ كفايته ورزقه من ذلك إذا فرغ نفسه لذلك، وكفها عن

<<  <  ج: ص:  >  >>