للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنه كان منافقًا وقتئذ. ويحتمل (وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي: من الشاكرين. وكذلك ذكر في الخبر أن ثعلبة لما سأل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن يسأل اللَّه له مالًا فقال: قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تؤدي حقه. أو كلام نحو هذا.

وقوله: (فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦)

يحتمل: تولوا عن وفاء ما وعدوا، أو تولوا عن طاعة اللَّه، (وَهُمْ مُعْرِضُونَ): أيضًا عن طاعة اللَّه، أو معرضون عما وعدوا وعاهدوا أن يوفوا.

وقوله: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧)

قَالَ بَعْضُهُمْ أثابهم نفاقًا بما بخلوا به إلى يوم القيامة.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: أعقبهم الدوام على النفاق (بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ).

ينبغي للمسلم أن يجتنب الكذب والخلف في الوعد؛ فإنه سبب النفاق أو نوع من النفاق، وعلى ذلك روي في الخبر: " أن اجتنبوا الكذب؛ فإنه باب من النفاق، وعليكم بالصدق؛ فإنه باب من الإيمان "، وفي بعضها عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أربع من كن فيه كان منافقًا: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر "، وفي بعضها: " وإذا اؤتمن خان ".

فَإِنْ قِيلَ: إن أولاد يعقوب اؤتمنوا فخانوا، وحدثوا فكذبوا بقولهم: (أَكَلَهُ الذِّئْبُ) ووعدوا فأخلفوا، فترى أنهم نافقوا؟

قيل: ما روي أن من إذا حدث كذب هو الكذب في أمر الدِّين، وأما الكذب في غير أمر الدِّين فإنه لا يوجب النفاق.

وفي الآية دلالة ألا ينص بالسؤال في شيء على غير الخبر في ذلك من اللَّه؛ ألا ترى أن ثعلبة لما ألح على الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالسؤال أن يسأل ربه ليرزقه مالًا ففعل، فأعقبه اللَّه نفاقًا إلى يوم القيامة؟!

ولأن أولاد يعقوب قد قدموا التوبة والإصلاح قِبَلَ صنيعهم الذي صنعوا على خوف منهم بما فعلوا والمنافقين، وأصله: أن اعتقاد الكذب، واستحلال الخلاف لما عهد، والخلف في الوعد - هو الموجب للنفاق، فأما ترك الوفاء على غير استحلال منه فلا يوجب ما ذكر، واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>