للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يجزى بمثلها، وأما جزاء الإحسان والخير طريق وجوبه الإفضال والإحسان ليس طريق وجوبه الحكمة، إذ سبق من اللَّه، إلى كل أحد من النعم ما ليس في وسعه القيام بمكافأة واحدة منها عمره وإن طال واجتهد كل جهده، فضلا أن يستوجب قبله جزاء ما كان منه من الخيرات.

وقوله: (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ): هو ما ذكرنا من آثار السيئات التي عملوها في الدنيا ذلا وهوانًا لهم (مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ)، وذلك أنهم - واللَّه أعلم - كانوا يعبدون الأصنام رجاء أن يكونوا لهم شفعاء عند اللَّه، فأخبر أن ليس لهم من عذاب اللَّه مانع يمنع ذلك عنهم؛ كقولهم: (هؤُلَآءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّه).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ) قيل: ألبست وأغطيت قطعًا مثقلا ومخففا قطعا، قيل: القطع بالتثقيل هو جمع القطعة، والقطع بالتخفيف جزء من الليل، يقال: سرنا بقطع من الليل، أي: بجزء من الليل، وقوله: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي: بجزء منه، واللَّه أعلم.

ثم شبه وجوههم بظلمة الليل، ولم يشبه بسواد الوجوه على ما يكون من سواد الوجوه في الدنيا؛ فذلك - واللَّه أعلم - أن سواد الوجوه على ما يكون في الدنيا لا يبلغ من القبح غايته؛ إذ قد يرغب من كان جنسه ونوعه في ذلك ويحسن ذلك عنده، فإذا كانت الرغبة قد تقع لبعضهم في بعض لم يبلغ في القبح نهايته، وأما ظلمة الليل: فإن الطباع تنفر عنها، ولا تقع الرغبة فيها بحال؛ لذلك شبه وجوه أهل النار بها، واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>