للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَالَ بَعْضُهُمْ: ثم اقضوا إلي أي امضوا إلي كقوله: (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ)، و (فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ)، ونحوه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) التولي اسم لأمرين: اسم للإعراض والإدبار؛ كقوله: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ)، واسم للإقبال والقبول أيضًا؛ كقوله: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا. . .) الآية، ونحوه، فهاهنا يحتمل الأمرين جميعًا، أي: فإن توليتم أي أقبلتم وقبلتم ما أعرضه عليكم وأدعوكم إليه، (فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) أي: ما أجري إلا على اللَّه. وإن كان في الإعراض فكأنه يقول: كيف أعرضتم عن قبوله، ولم أسألكم على ذلك أجرًا فيكون لكم عذر في الإعراض والرد؟! كقوله: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا) الآية، أي: لم أسألكم على ما أعرضه عليكم وأدعوكم إليه غرما حتى يثقل عليكم ذلك الغرم، فيمنعكم ثقل الغرم عن الإجابة، ففي هذه الآية وغيرها دلالة منع أخذ الأجر على تعليم القرآن والعلم؛ لأنه لو جاز أخذ الأجر على ذلك لكان لهم عذر ألا يبذلوا ذلك ولا يتعلموا شيئًا من ذلك، وفي ذلك هدم شرائع اللَّه وإسقاطها، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي: مسلمًا نفسي إلى اللَّه، أي: سالمًا، لا أجعل لأحد سواه فيها حقا ولا حظا، أو أمرت أن أكون من المخلصين لله، والخاضعين له؛ هو يحتمل ذلك كله.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) يعني: نوحًا كذبه قومه فيما ادعى من الرسالة، أو ما آتاهم من الآيات، أو ما أوعدهم من العذاب بتكذيبهم إياه.

(فَنَجَّيْنَاهُ) يعني نوحًا، (وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) أي: من ركب معه الفلك من المؤمنين. (وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ) يحتمل خلائف خلفاء في الأرض وسكانًا يخلف بعضهم بعضا، ويحتمل جعلناهم خلائف أي خلف قوم أهلكوا واستؤصلوا بالتكذيب.

(وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا): يحتمل الآيات الحجج والبراهين التي أقامها على ما ادعى من الرسالة.

ويحتمل قوله: (كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا) العذاب الذي أوعدهم بتكذيبهم إياه فيما وعد.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ): كان أنذر الفريقين جميعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>