للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على وجوه:

أحدها: أن سائر القرى كان إيمانها عند إقبال العذاب إليهم ووقوعه عليهم، فلم ينفعهم إيمانهم، إلا قوم يونس، فإن إيمانهم إنما كان لتخويف العذاب فينفعهم.

والثاني: يحتمل أن يكون قوم يونس، كان نزول العذاب بهم على التخيير والتمكين إن قبلوا الإيمان أمنوا دفع العذاب عنهم، وإن لم يقبلوا نزل بهم.

والثالث: إنما كان إيمان سائر القرى بعدما عاينوا مقامهم في النار فآمنوا، فيكون إيمانهم إيمان اضطرار، وقوم يونس آمنوا قبل أن يعاينوا ذلك، ويشبه أن يكون قوله: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) بعد وقوع العذاب والبأس، (فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) وفإنهم آمنوا إذ عاينوا العذاب قبل أن يقع بهم، وإيمان فرعون وقومه إنما كان بعدما غرقوا وبعدما خرجت أنفسهم من أيديهم فلم يقبل، وإيمان قوم يونس كان قبل أن يقع العذاب بهم وأنفسهم في أيديهم بعد فقبل، وهو ما ذكر عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ. . .) الآية، آمنوا بعدما عاينوا قبل أن يقع بهم وسائر الأمم الخالية كان منهم الإيمان بعد وقوع العذاب بهم من نحو عاد وثمود وأمثاله، وأصله ما ذكرنا آنفًا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).

قوله: (كَشَفْنَا عَنْهُمْ): بحلول العذاب بهم، (عَذَابَ الْخِزْيِ): هو العذاب الفاضح وإلا الخزي هو العذاب.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) قالت المعتزلة: قوله: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) مشيئة القهر والقسر، لو شاء لأجبرهم وقهرهم جميعًا فيؤمنوا وإلا فقد شاء أن يؤمنوا مشيئة الاختيار لكنهم لم يؤمنوا، واستدلوا على ذلك بقوله: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).

فيقال لهم: إن مشيئة الاختيار هي الظاهرة عندكم ومشيئة الجبر والقهر غائبة، فإذا وجد منه مشيئة الاختيار فلم يؤمنوا ولم تنفذ مشيئته فيهم كيف يصدق هو في الإخبار عن

<<  <  ج: ص:  >  >>