للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المشيئة التي هي غائبة أنها لو كانت لآمنوا هذا فاسد على قولهم.

وبعد فإن المشيئة لو كانت مشيئة القهر لكانوا مؤمنين بتلك المشيئة وهي خلقة؛ لأن كل كافر مؤمن بخلقته؛ لأن خلقة كل أحد تشهد على وحدانية اللَّه، فإذا كانوا مؤمنين بالخلقة ثم ذكر أنه لو شاء لآمنوا دل أنه لم يرد به مشيئة القهر ولكنه أراد مشيئة الاختيار، وتأويله عندنا هو أن عند اللَّه تعالى لطف لو أعطاهم كلهم لآمنوا جميعًا، لكنه إذ علم أنهم لا يؤمنون لم يعطهم وهو التوفيق والعصمة، لكنه إذ علم منهم أنهم لا يؤمنون شاء ألا يؤمنوا، ثم لا يحتمل أن يتحقق الإيمان بالجبر والقهر؛ لأنه عمل القلب والجبر والإكراه مما لا يعمل على القلب، فهو وإن تكلم بكلام الإيمان فلا يكون مؤمنا حتى يؤمن بالقلب، فيكون التأويل على قولهم: ولو شاء ربك فلا يؤمنوا، فهذا متناقض فاسد.

وبعد فإن الإيمان لا يكون في حال الإكراه والإجبار؛ لأن الإكراه يزيل الفعل عن المكره كان لا فعل له في الحكم.

وقوله: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) فَإِنْ قِيلَ: أليس قال اللَّه - عز وجل -: (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) أي: حتى يسلموا وذلك إكراه، وقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " فذلك إكراه، فكيف يجمع بين الآيتين؟! قيل لوجهين:

أحدهما: ما ذكر أن هذه السورة مكية، وقوله: (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ)، مدنية، فيحتمل قوله: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أي: لا تكرههم ثم أمر بالقتال بالمدينة والحرب والإكراه عليه.

والثاني: يجوز أن يجمع بين الآيتين، وهو أن يكون قوله: (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) أي: تقاتلونهم حتى يقولوا قول إسلام ويتكلموا بكلام الإيمان، دليله ما روي: " حتى يقولوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "، والقول: بلا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ على غير حقيقة ذلك في القلب ليس بإيمان، وفي هذه الآية حتى يكونوا مؤمنين وبالإكراه لا يكونون مؤمنين

<<  <  ج: ص:  >  >>