للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنه إذا اتقى كل شر ومعصية عمل كل خير وبر، واذا كسب كل خير وبر اتقى كل معصية وشر؛ وعلى ذلك يخرج الشكر والصبر: الصبر هو كف النفس عن كل مأثم، والشكر هو استعمال النفس في كل طاعة، هما أيضًا في العبارة مختلفان وفي الحقيقهَ واحد؛ لأنه إذا كف نفسه من كل مأثم استعملها في الطاعة، وإذا استعملها في الطاعة كفَّها عن كل مأثم ومعصية؛ وعلى ذلك يخرج الإسلام والإيمان: الإسلام هو تسليم النفس لله خالصة سالمة لا يجعل لغيره فيها حقا، والإيمان هو أن يصدق اللَّه بالربوبية في نفسه وفي كل شيء، وهما في الحقيقة واحد وفي العبارة مختلفان؛ لأنه إذا جعل نفسه وكل شيء سالما ألله تعالى، أقر بالربوبية له في نفسه وفي كل شيء، واذا صدقه وأقر له بالربوبية في نفسه وفي كل شيء جعلها لله، وكل شيء له.

هذه أشياء في العبارة مختلفة وفي التحصيل واحد.

ثم قوله: (اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا): جائز أن يكون جواب قوله: (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي) آمنه عما خاف وطلب منه المغفرة والرحمة.

والثاني: السلام له منه هو الثناء الحسن؛ كقوله: (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ): يحتمل أن يكون جواب قوله: (أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا)، والبركة هي اسم كل خير لا انقطاع له، أو اسم كل شيء لا تبعة له عليه فيه.

ثم قوله: (بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ)، على قول بعض أهل التأويل: ذلك السلام، وتلك البركات في الدنيا: السلام لما سلموا من الغرق والبركات ما نالوا في الدنيا من الخيرات والمنافع.

وعلى قول بعضهم: السلام والبركات جميعًا في الآخرة.

ثم جعل عَزَّ وَجَلَّ المؤمن والكافر مشتركين في منافع الدنيا وبركاتها، وجعل منافع الآخرة وبركاتها للمؤمنين خاصة بقوله: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، وبقوله: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) ثم قال: (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، أشرك المؤمن والكافر في زينة الدنيا، ثم جعل للمؤمنين خالصة يوم القيامة، فذلك قوله: (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>