للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) أي: في ملكه وسلطانه، يقال: فلان آخذ بحلقوم فلان، وفلان في قبضة فلان ليس أنه في قبضته بنفسه أو آخذ بحلقوم فلان، ولكن يراد أنه في سلطانه وفي ملكه وفي قبضته.

(إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي: على الذي أمرني ربي ودعاني إليه، أو يكون قوله: (إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي: أن الذي أمرني ربي ودعاني إليه هو صراط مستقيم؛ كقوله: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ).

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: الاعتراء هو الأخذ، يقال: اعترته الحمى أي أخذته.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ: الاعتراء هو الإصابة، بقول: إلا اعتراك: أصابك، يقال: أعتريت: أصبت، وهو ما ذكرنا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) يحتمل على الإضمار أي: فإن تولوا عن إجابتك وطاعتك فقل قد أبلغتكم رسالات ربي؛ لأن قوله: (تَوَلَّوْا) إنما هو خبر.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَبْلَغْتُكُمْ): خطاب، وأمكن أن يكونا جميعًا على الخطاب، يقول: فإن توليتم عن إجابتي فيما أدعوكم إليه، فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم وليس على إلا تبليغ الرسالة إليكم؛ كقوله: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ)؛ وكقوله: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)، يقول: إنما عليَّ إبلاع الرسالة إليكم، ليس على جرم توليكم عن إجابتي؛ كقوله: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ) ونحوه، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ) فيه وجهان: أحدهما: يخبر عن هلاكهم؛ لأنه أخبر أنه يستخلف قومًا غيرهم؛ لأنه ما لم يهلك هَؤُلَاءِ لا يكون غيرهم خلفهم: لأنهم كانوا يقولون: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)، يقول - واللَّه أعلم -: إن قوة أبدانكم وبطشكم لا تعجز اللَّه عن إهلاككم، وفيه أن عادًا ليسوا هم النهاية في العالم، بل يكون بعدهم قوم غيرهم، واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>