للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ) قال بعض أهل التأويل (مِنْهَا قَائِمٌ): ترى مكانها وتنظر إليها، ومنها حصيد لا ترى له أثرًا ولا مكانًا.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: قائم: أي: خاوية على عروشها، وحصيد: مستأصلة.

وعن الحسن قال: منها قائم وما حصد اللَّه أكثر، أي: وما أهلك اللَّه من القرى أكثر.

وأصله عندنا: منها قائم؛ نحو قرى عاد وثمود ومدين، أهلك أهلها وبقيت القرى لأهل الإسلام؛ لأنه يقول في قرى عاد: (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ) الآية، ومنها حصيد: ما أهلك أهلها والقرى جميعًا نحو قوم نوح؛ أهلكوا ببنيانهم، ونحو قريات قوم لوط أهلكت بأهلها أيضًا حتى لم يبق لا الأهل ولا البنيان، فذلك - واللَّه أعلم - تأويل قوله: (مِنْهَا قَائِمٌ) هلك أهلها وبقي البنيان، ومنها حصيد: هو ما أهلك البنيان بأهله، حتى لم يبق لها أثر، وفيه وجوه ثلاثة:

أحدها: آية لرسالته؛ لما ذكرناه وعبرة لأهل التقوى، وهو ما ذكر في آخره: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ) أي: عبرة لمن خاف عذاب الآخرة، وزجرًا لأهل الشرك والكفر؛ لأنهم يذكرون ما نزل بأُولَئِكَ فينزجرون عن صنيعهم فيه.

هذه الوجوه التي ذكرناها، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١) قوله: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ) فيه وجهان:

أي: لم نظلمهم؛ لأنهم وبنيانهم ملك لله - تعالى - وكل ذي ملك له أن يهلك ملكه، ولا يوصف بالظلم من أتلف ملكه، وهم ظلموا أنفسهم إذ أنفسهم ليست لهم في الحقيقة وكذلك بنيانهم، ومن أتلف ملك غيره فهو ظالم.

والثاني: أن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه؛ يقول: وما ظلمناهم بالعذاب؛ إذ هم يستوجبون ذلك بما ارتكبوا، فلم نضع العذاب في غير موضعه؛ بل هم الذين وضعوا أنفسهم في غير موضعها؛ حيث صرفوها إلى غير مالكها وعبدوا غيره، فهو ظلم؛ هذا التأويل في أنفسهم، وأما البنيان فهو، أنه إنما جعله لهم، فإذا هلكوا هم أهلك ما جعل لهم، إنما أبقي لهم ما داموا، فأما إذا بادوا هم فلا معنى لإبقاء البنيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>