للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥) ظاهر ما ذكر من الكلام أن يقول: فإن اللَّه لا يضيع أجر الصابرين؛ لأنه ذكر الصبر بقوله: (وَاصْبِرْ)، لكن يحتمل قوله: (وَاصْبِرْ) عن الشرور كلها وأحسن، فإن اللَّه لا يضيع أجر المحسنين؛ بل يجزيهم جزاء إحسانهم.

أو يقول: اصبر على أداء ما كلفت من الطاعات، أو تبليغ ما كلفت التبليغ إليهم.

ويحتمل وجهًا آخر: اصبر على أذاهم ولا تكافئهم فإذا لم تكافئهم، فقد أحسنت إليهم، فإن اللَّه لا يضيع أجر المحسنين، أو يقول هو له: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ) واللَّه أعلم.

قال أَبُو عَوْسَجَةَ: قوله: (وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ): ساعات من الليل. وقال: الزلفة: المرحلة، والزلفة: القربة؛ كقوله: (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى) أي: لقربة.

وقال أبو عبيدة: الزلف: جمع زلفة، وهي الساعة، وهي المنزلة على ما قلناه.

* * *

قوله تعالى: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (١١٧) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩) وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠)

وقوله - تعالى -: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا) وظاهر هذا يخرج على المعاتبة أو التنبيه والتذكير؛ لأنه يقول: (فَلَولَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ) أي: لم لا كانوا كذا؟ فليس ثم من أُولَئِكَ من يعاتب أو ينبه، لكنها تخرج على وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>