للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الرابع

تأثر الماتريدي بمن سبقوه

إن الماتريدي تأثر بمن سبقه، عامة، وتأثر بالإمام أبي حنيفة النعمان خاصة، حيث أخذ عنه الإطار العام لمذهبه في الكلام.

لقد تأثر الماتريدي بالمنهج المتوازن بين العقل والنقل الذي سلكه أبو حنيفة، فقد سلك ذلك المسلك الوسط الذي لم يسلكه -كما يقول الشيخ أبو زهرة- سوى أبي حنيفة، وبلغ فيه الشأو والغاية.

وهذا المنهج الذي سار عليه الإمام أبو حنيفة، وتبناه الماتريدي، لا يقدح في سلفية كل منهما، ولا يخرجهما عن دائرة أهل السنة؛ لأن أبا حنيفة يعد أول من كون مدرسة كلامية لأهل السنة وحاربت المبتدعة، وأظهرت الحق جليَّا.

يقول أبو اليسر البزدوي: " أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تعلم هذا العلم، وكان يناظر المعتزلة وأهل البدع، وكان يعلمه أصحابه في الابتداء، وقد صنف فيه كتبًا، وقع بعضها إلينا، وعامتها محاها وغسلها أهل البدع، ومما وقع إلينا كتاب العالم والمتعلم، وكتاب الفقه الأكبر، وقد نص كتاب العالم والمتعلم أنه لا بأس بتعلم العلم ".

وهذا النص يكشف عن دور أبي حنيفة البارز، كما يدل في الوقت نفسه على مجموعة من مؤلفاته التي أثرت في الماتريدي كما سنعرف فيما بعد.

وهذه الكتب رد فيها على المعتزلة، وبخاصة كتابه: الفقه الأكبر، ونصر فيه قول أهل السنة في خلق الأفعال، وفي الاستطاعة مع الفعل.

ولقد استفاد الماتريدي من هذه الكتب، فقد تناول هذه الكتب والرسائل، وتأثر بها تأثرًا فكريًّا واضحًا؛ حتى إنه ليمكن القول: إن منهج الماتريدي لا يخرج عن المنهج العام الذي وضعه أبو حنيفة في مؤلفاته، هذا المنهج الذي يستخدم العقل، لكنه العقل المقيد بالنص، بحيث لا يخرج عنه، ولا يتقدم عليه بحال؛ لأن اللَّه تعالى ركب العقول ووفقها للاستدلال.

ومعلوم أن أبا حنيفة - رحمه اللَّه - كون مدرسة فكرية ضمت أعظم العلماء وجهابذة

<<  <  ج: ص:  >  >>