للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحق أن الملكات السياسية والمواهب الشخصية التي اتسم بها يعقوب بن الليث هي التي أتاحت له ما حقق من نجاح كبير في تأسيس دولته الجديدة، فقد امتاز باليقظة وحسن التدبير، والتفكير العميق في عواقب الأمور ونتائجها، والقدرة على اختيار رجاله وإعداد جيوشه الإعداد السليم؛ فلا عجب أن قال عنه المسعودي: " كانت سياسة يعقوب لمن معه من الجيوش سياسة لم يسمع بمثلها ممن سلف من الملوك من الأمم الغابرة من الفرس وغيرهم ممن سلف وخلف، وحسن انقيادهم لأمره، واستقامتهم على طاعته؛ لما قد شملهم من إحسانه، وغمرهم من بره، وملأ قلوبهم من هيبته ".

لا ريب أن الخلافة العباسية أوجست خيفة من يعقوب بن الليث الصفار، ورأت في اتساع ملكه تهديدًا خطيرًا لنفوذها، وكسرًا للقاعدة التي جرت عليها في تولية حكام الأطراف بناء على تفويض منها، فاعتبرت يعقوب متمردًا، وجمع الخليفة الحجاج القادمين من المشرق من خراسان والري وطبرستان وجرجان سنة ٢٦١ هـ وأعلمهم أنه لم يفوض يعقوب، وأن دخوله خراسان وقضاءه على الطاهريين لم يكن بأمره، ورد يعقوب على ذلك بمزيد من التحدي وقصد إقليم فارس فاستولى عليه سنة ٢٦١ هـ.

وبدأ يعقوب يفكر في الاستيلاء على بغداد فتحرك صوبها سنة ٢٦٢ هـ، مستغلًا انشغال الخلافة العباسية بالقضاء على ثورة الزنج، فرأت الخلافة استمالته وإرضاءه ريثما تفرغ من أمر الزنج، فأبي يعقوب مهادنة العباسيين وقال: إنه لا يرضيه إلا أن يسير إلى باب المعتمد.

والتقت جيوش العباسيين بجيش يعقوب في قرية " اصطر بند " على مقربة من واسط في رجب سنة ٢٦٢ هـ، وكان الخليفة العباسي المعتمد يقود الجيش بنفسه، ومعه أخوه طلحة في القلب.

وانجلى غبار المعركة عن هزيمة منكرة للصفار وجنده، وغنم جند الخليفة معسكره وتراجع يعقوب في فلوله، وتوفي بعد ذلك بقليل في سنة ٢٦٥ هـ.

خلف يعقوب بن الليث أخوه عمرو بن الليث، فبادر إلى استرضاء العباسيين

<<  <  ج: ص:  >  >>