للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لهم على أعدائهم ويحلفون على ذلك، ثم إذا رأوا الكثرة مع الكفرة والغلبة، وقلة المؤمنين - تحولوا إلى أُولَئِكَ، ونقضوا أيمانهم، وكانوا معهم، كقوله: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ. . .) الآية.

ويحتمل قوله: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ. . .) أي: لا تكونوا في نقض العهود والمواثيق كالمرأة التي تنقض غزلها من بعد قوة، وجائز أن يكون غير هذا.

يقول: ولا تظنوا في اللَّه أن يكون في إنشاء الخلق كالمرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة؛ فلو لم يكن بعث لكان يكون في إنشاء الخلق كالمرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة، وقد عرفتم قبح ذلك؛ فعلى ذلك: إنشاء الخلق إذا لم يكن بعث يكون في القبح ما ذكر. ثم ضرب اللَّه مثل من أعطى العهد والمواثيق ووكد الأيمان في ذلك، ثم نقض ذلك بامرأة تغزل ثم تنقض ذلك الغزل من بعد قوة أنكاثًا؛ يقول - واللَّه أعلم -: كما لم تنتفع هذه المرأة بغزلها إذا نقضته من بعد إبرامها إياه؛ كذلك لا ينتفع ولا يوثق بمن أعطى العهد، ثم نقضه. يقول: فلا هي تركت الغزل تنتفع به، ولا هي تركت القطن والكتان كما هو؛ فكذلك الذي يعطي العهد ثم ينقضه فلا هو حين أعطاه وفَّى به، ولا هو ترك العهد، فلم يعطه ونحوه. ثم اختلف في تلك المرأة:

قَالَ بَعْضُهُمْ: هي امرأة من قريش حمقاء بمكة، كانت إذا غزلت نقضته.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: هذا على التمثيل؛ يقول - واللَّه أعلم -: أي لو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه - لقلتم: ما أحمق هذه!! فعلى ذلك من أعطى العهد والميثاق، ثم نقض - فهو كذلك.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا).

قال أبو بكر الأصم: الدخل: الذي لا يصح ولا يستقيم؛ يقال: هذا مدخول، أي: غير صحيح. وقال غيره: (دَخَلًا)، أي: خديعة ومكرًا يخدع بعضكم بعضًا، وهو قول

<<  <  ج: ص:  >  >>