للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تستطيب؛ بل تكره، وقوله: تستطيب له أنفسكم وتتلذذ به، لا ما تستخبث به؛ لأن اللَّه جعل غذاء البشر ما هو أطيب وألذ، وجعل للبهائم والأنعام ما هو أخبث وأخشن؛ لأن ما هو أطيب أدعى للشكر له.

ويحتمل أن يكون قوله: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا): لا تبعةَ عليكم.

وفي الآية دلالة أنه قد يرزق ما يخبث ولا يحل على ما يختارُهُ؛ حيث شرط فيه الحلال.

وقوله - عزَّ وجلَّ -: (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).

الشكر له عليهم لازم، وإن لم تعبدوا؛ وهو كقوله: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ): طاعته وطاعة رسوله واجبة، وإن لم يكونوا مؤمنين، أو يقول: وجِّهوا شكر نعمه إليه إن كنتم عابدين له بجهة، أي: افعلوا العبادة له والشكر في الأحوال كلها.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥)

أي: حرم أكل الميتة وما ذكر؛ كأنه قال هذا، وذكر على أثر تحريمهم أشياء أحل لهم - لحومًا حرموا على أنفسهم - أشياء أحل لهم: من الزرع والأنعام، والبحيرة والسائبة، وما ذكر؛ فقال: لم يحرم ذاك؛ ولكن إنما حرم ما ذكر من الميتة والدم ولحم الخنزير ونحوه، على هذا يجوز أن يخرج تأويله، وأمَّا على الابتداء فإنه يبعد، والله أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلََّّ -: (فَمَنِ اضْطُرَّ).

إلى ما ذكر من المحرمات.

(غَيْرَ بَاغٍ).

على ما نهى عنه، وهو الشبع؛ كقوله: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ).

(وَلَا عَادٍ).

إليه. وقَالَ بَعْضُهُمْ: (غَيْرَ بَاغٍ): يستحله في دينه؛ فلا عاد ولا متعدٍّ في أكله.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (غَيْرَ بَاغٍ) على المسلمين مفارق بجماعتهم مُشَاق لهم، ولا عاد: عليهم؛ يستفهم، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم وأقاويلهم.

وأمَّا تأويله عندنا: (غَيْرَ بَاغٍ): على المسلمين سوى دفع الإهلاك عن نفسه، (وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>