للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَالَ بَعْضُهُمْ: يهدي إلى الأمور التي هي أعدل الأمور وأصوبها.

وقيل: يهدي إلى السبيل التي هي أقوم السبل وأعدلها.

يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها.

وجائز أن يكون قوله: (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، أي: للأعمال الصالحات وللخيرات، لأن الأعمال الصالحات قوامها به.

ثم قوله: (يَهدِي): يحتمل وجهين: يحتمل: يبين، والثاني: يدعو؛ فهو يهدي الكل لو استهدوا، لكن خص هَؤُلَاءِ لما منفعة تكون لمن ذكر، وقد ذكرنا أن هذا القرآن وغيره من كتب اللَّه هدى ورحمة يدعو إلى ثلاث خصال: إلى معالي الأمور، ومكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال ومصالحها. وينهى عن مساوي الأعمال، وداني الأمور، وسوء الأخلاق ودناءتها؛ فهو هدى ورحمة على ما أخبر لمن استهدى به، ورشد لمن استرشد.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ).

البشارة المطلقة إنما جعلت للمؤمنين الذين عملوا الصالحات، لم يذكر للمؤمنين خاصة على غير العمل الصالح؛ فالمسألة فيهم غير المسألة في هَؤُلَاءِ.

وفيه دلالة أنه يقع اسم المومنين بدون العمل الصالح؛ لأنه قال: (الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ)؛ دل أن ذلك الاسم يقع بدون ذلك الاسم.

وفيه دلالة أن اسم الإيمان قد يستحق بدون العمل الصالح؛ حيث يشرط فيه العمل الصالح.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا).

سماه كبيرًا؛ لكبير خطره عند اللَّه، كما سمى عذاب النار عظيمًا؛ لعظم خطره عنده، أو سماه كبيرًا؛ لأنه أكبر ما يقصد إليه ويرغب فيه، وهو ثواب الجنة، والنار أعظم ما يحذر بها ويرهب عنها.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٠)

إنكارهم البعث، وكفرهم به - هو الذي حملهم على تكذيبهم الرسل وكفرهم باللَّه، ليسلم لهم شهواتهم في الدنيا؛ لأن الرسل جميعًا دعوهم إلى ترك شهواتهم في الدنيا، ورغبوهم بما يوجب لهم الثواب في الآخرة وحذروهم عما يوجب العقاب، فأنكروا

<<  <  ج: ص:  >  >>