للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى واحد؛ لأنه إنما يسعد ويشقى بعمله الذي يعمله، وكذلك جزاء عمله؛ ولذلك قال الحسن في تأويل قوله: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا)، أي: بأعمالنا التي عملناها، ثم يخرج تسمية العمل وما ذكروا طائرًا؛ لوجهين:

أحدهما: على وجه التفاؤل والطيرة؛ كانوا يتفاءلون ويتطيرون بأشياء: بالطائر وغيره، ويقولون جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له بكذا من الشر؛ على طريق الفأل والطيرة؛ فخاطبهم على ما يستعملون، وأخبر أن ذلك يلزم أعناقهم، وهو ما قال اللَّه - تعالى -: (يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ)، وكقوله: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ)، وقوله -أيضًا-: (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ. . .) الآية، ونحوه.

والثاني: سمى الأعمال التي عملوها طائرًا؛ لما أن الذي يتولد منه تلك الأعمال كالطائر، وهو الهمة، أو لا يخطر بباله شيء؛ ففي الأخطار لا صنع له فيه، ثم يهمُّ، ثم تبعث الهمَّة على الإرادة، ثم الإرادة تبعث على الطلب والعمل، فالهمة التي في النفس التي يتولد منها الأعمال كالطائر؛ فسماه لذلك باسمه، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِي عُنُقِهِ).

يحتمل أن يكون العنق كناية عن النفس، أي: ألزمناه نفسه، وذلك جائز؛ يقال: هذا لك عليَّ وفي عنقي.

والثاني: ذكر العنق؛ كما يقول الرجل لآخر إذا أراد التخلص من عمل: قلَّدتك هذا العمل وجعلته في عنقك، أي: تكون أنت المأخوذ به إثمًا إن كان في ذلك شر، وأنت المأجور به المثاب إن كان فيه خير.

والمعنى في قوله: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)، أي: لا يؤخذ غيره بعمله وشقائه؛ ولكن هو المأخوذ به، وهو ما قال: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ)، وقوله: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)؛ هذه الآيات الثلاثة معناها واحد، وهو ما ذكرنا ألا يؤخذ غيره بعمل آخر، ولا تحمل نفس خطيئة أخرى ولا وزرها، ولكن كل نفس هي تحمل خطيئة نفسها.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا).

هذا يحتمل وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>