للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو عبيدة: طائره حظه.

وقال غيره من المفسرين: ما عمل من خير وشر ألزمناه عنقه.

قَالَ الْقُتَبِيُّ: وهذان المعنيان يحتاجان إلى بيان.

والمعنى فيما أرى - واللَّه أعلم - أن لكل امرئ حظًّا من الخير والشر قد قضاه اللَّه؛ فهو لازم عنقه، والعرب تقول: إن كل ما لزم الإنسان قد لزم عنقه، وهو لازم طائر في عنقه، وهذا لك عليَّ وفي عنقي حتى أخرج منه؛ وإنما قيل للحظ من الخير والشر: طائر؛ لقول العرب ما ذكرنا: جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له الطائر بكذا من الشر؛ على وجه الفأل والطيرة على مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سببًا، وهو ما ذكر.

وقوله: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا).

التعذيب يكون على وجوه ثلاثة:

أحدها: يعذبهم في الدنيا ابتداء بتعذيب؛ امتحانًا وابتلاء بلا جريمة كانت منهم؛ كقوله: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)، وقوله: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ)، ونحوه؛ فيكون تنبيهًا وتذكيرًا لهم لا تكفيرًا.

والثاني: يعذب تعذيب العناد والمكابرة، وهو تعذيب إهلاكِ استئصالٍ؛ فهو عقوبة لهم، وموعظة للمتقين، وعبرة لغيره، وهو الذي يأتي على أثر وعيد.

والثالث: عذاب الموعود في الآخرة؛ يقول: وما كنا معذبين في الآخرة حتى نبعث رسولًا في الدنيا.

والأشبه أن يكون ما ذكر من التعذيب هو تعذيب استئصال، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦)

بالتخفيف، والتثقيل: (أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا)، ثم من قال (أَمَّرْنَا) بالتثقيل يحتمل وجهين:

أحدهما: (أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا) من الإمارة والتسليط عليهم، أي: أمرنا عليهم وسلطنا

<<  <  ج: ص:  >  >>