للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ).

أي: هم لا يأكلون من أرزاقكم؛ بل لكل منكم رزق على حدة، ليس في بقائهم نقصان في رزقكم ولا في فنائهم زيادة؛ بل كل يأكل رزقه، أو لا ترون أنه قد أنشأ لهم رزقًا لا شركة لكم فيه، وهو ما أنشأ لهم من اللبن في الضرع، ولا تنتفعون أنتم به؟! فظهر أن كلَّا يأكل رزقه، لا يُدْخِل بعضٌ في رزق بعضٍ نقصانًا. ثم قال:

(إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) أي: إن قتلهم في العقول كان خطأ كبيرًا، لما ذكرنا أن في قتلهم قطع ما به قصد في إنشاء هذا العالم وفنائه، أو يقول: (إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا): في الأمم الخالية. ويشبه أن يكون خطاب ما خاطب هَؤُلَاءِ الآيات: من قتل الأولاد، والزنى، وقتل النفس بغير حق، وغير ذلك ما تقدم وما تأخر؛ لوجهين:

أحدهما: ما كان للعرب أفعال وعادات السوء مما يخرج على السفه والقبح في العقل، خارجة عن الحكمة تنهاهم عن ذلك.

والثاني: ذكر هذا ونهى؛ لما علم أنه قد يكون في خلقه من يفعل ذلك خشية ما ذكر، ويحملهم ذلك على ما ذكر، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢)

أي: في العقل كان وقت ما كان فاحشة؛ لأن في إباحة الزنى ذهاب المعارف التي بها يوصل إلى الحكمة والعلم، أو كان فاحشة في الحكمة؛ ألا ترى أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ): دل قوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ) - على أن هنالك فحشاء قبل الأمر في الحكمة أو في العقل، حتى قال: (لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ)؛ إذ لو لم يكن - لكان قال: لا يأمر، حسب، وفي إباحة قتل الأنفس ذهاب ما به قصد من إنشاء العالم.

أخبر - عَزَّ وَجَلَّ -: في قتل الأولاد أنه، (كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)، وهو ما يعظم في العقل، وذكر في الزنى فاحشة، وهو ما يفحش في العقل والحكمة، وذكر في قتل النفس الإسراف، وقال: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)، والإسراف هو المجاوزة عن الحد الذي جعل له.

ويحتمل قوله: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا)، أي: لا تزنوا؛ فإنه كان فاحشة، ويحتمل: لا تقربوا الأسباب التي بها يوصل إلى الزنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>