للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالحصباء، وهي الحصى الصغار، والقاصف: الريح الشديدة التي تقصف الشجر، أي: تكسرها. وكذلك قال أَبُو عَوْسَجَةَ: القاصف: الشديدة من الرياح.

وقوله - عزّ وجلَّ -: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠)

كرمهم بأن خلقهم في أحسن صوه:؛ كقوله: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)، وقومهم في أحسن تقويم وأحسن قامة؛ كقوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، وكرمهم بأن ركب فيهم العقول التي بها يعرفون الكرامات من الهوان، ويعرفون بها المحاسن من المساوي، والحكمة من السفه، والخير من الشر، وكرمهم بأن جعل لهم لسانًا يتكلمون بها الحكمة وكل خير، وبها يتوصلون إلى درك الحكمة وجمعها، وكرمهم بأن جعل أرزاقهم أطيب الأرزاق وجعل لغيرهم ما خبث منها وما فضل منهم، وكرمهم بأن خلق جميع ما على وجه الأرض لهم؛ كقوله: (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، وكرمهم بأن سخر لهم جميع الخلائق: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ)، وجعل بني آدم هم المقصودون بخلق جميع الخلائق ونحوه، وكرمهم حيث جعلهم بحيث يتهيأ لهم استعمال السماء والأرض، واستعمال الشمس والقمر، واستعمال البحار والبراري، وجميع الصعاب والشدائد في حوائجهم ومنافعهم ما لا يتهيأ لغيرهم من الخلائق ذلك؛ فذلك تفضيلهم.

وجائز أن يكون كرم بني آدم؛ لأنه كرم آدم، أوكرم آدم؛ لأنه أسجد ملائكته له، وبعثه رسولًا إليهم؛ حيث قال: (أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ)؛ فلما كرم آدم صار بنوه مكرمين -أيضًا- ولهذا نقول بأن الأب يصير مشتومًا بشتم ابنه.

وما قال أهل التأويل: إنه فضل بني آدم على غيرهم من الحيوان والدواب؛ حين أكلوا وشربوا هم بأيديهم وسائر الدواب يأكلون بأفواههم - هذا الذي ذكروا هو من التفضيل، إلا أن ذكره له خاصة ليس فيه كثير حكمة وفضل؛ لكن فضلهم وكرمهم بما ذكرنا من وجوه الكرامات، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ).

هذا تفسير ما ذكر من تكريم بني آدم وتفضيله إياهم، ثم يحتمل هذا وجهين:

أحدهما: أن جعل لهم البر والبحر مسخرين؛ حتى يصلوا إلى ما في باطن البحر وظاهره من أنواع المال والمنافع.

<<  <  ج: ص:  >  >>