للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حرف أُبي.

فَإِنْ قِيلَ: كيف احتج على قتله وإهلاكه بما علم أنه يلحق أبويه منه الطغيان والكفر، وقد ترك، إبليس وجنوده يعيشون إلى آخر الدهر، على علم منه أنهم يحملون الناس على الطغيان والكفر، ويرهقونهم أنواع المعاصي والفواحش؟! وكذلك هَؤُلَاءِ الظلمة الذين لا يكون منهم إلا كل شر وجور على الناس ثم تركهم على علم منه بما يكون منهم؟! فما معنى الاحتجاج في قتله وإهلاكه بما ذكر من إرهاق الطغيان والكفر بالوالدين؟!

قيل: لهذا جوابان:

أحدهما: أن اللَّه - تعالى - قد يمتحن البشر بمعان وعلل وأشياء، تحملهم تلك المعاني والأشياء على الرغبة والحث فيما امتحنهم، وإن كان له الامتحان لا على تلك المعاني والعلل، نحو ما امتحنهم بأنواع العبادات والطاعات بثواب وجزاء ذكر لهم فيها لو فعلوا، وإن كان له الامتحان بذلك على غير ثواب ولا جزاء، وكذلك العقوبات وغير ذلك من المحن؛ فعلى ذلك الأول.

والثاني: ذكر هذا لتطيب به أنفسهم؛ إحسانا منه إليهم، وإنعامًا عليهم؛ إذ له أن يميتهم صغارًا وكبارًا، وعلى ذلك يخرج قوله: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ. . .) الآية. وقد وسع على كثير من الخلق، وكذلك قوله: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً. . .) الآية، وقد جعل لكثير من الخلق ذلك، لكن هذا لما له أن يفعل ذلك للكل، فمن لم يفعل ذلك له إنما لم يفعل إحسانًا منه وإفضالا؛ فعلى ذلك الأول إنما ذكر ما ذكر إحسانًا منه وإفضالا، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (٨١)

قَالَ بَعْضُهُمْ (خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً)، أي: صلاحًا، (وَأَقْرَبَ رُحْمًا): أي: أوصل رحما وأبر لوالديه.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً)، أي: عملا، (وَأَقْرَبَ رُحْمًا)، أي: أحسن منه برًّا لوالديه.

قال أَبُو عَوْسَجَةَ: (رُحْمًا)، من الرحم والقرابة.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (رُحْمًا)، أي: رحمة وعطفا.

وذكر أنهما قد أعطيا خيرًا منه، أي: خيرًا من القتيل، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>