للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ ... (٨٢)

ذكر نعمه التي كانت عليهم حيث أخبر أنه سخر لهما أشد الأشياء وأصلبها من نحو الجبال والرياح والبحار والحديد والشياطين أيضًا - وهم أعداء لبني آدم سخر لهم الأعداء: الشياطين، والرياح.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ) يحتمل وجوهًا: أحدها: وكنا لهم حافظين، حتى لا يضلوا الناس.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: وكنا لهم حافظين على سليمان؛ لئلا يتفرقوا عنه؛ لأن سليمان كان لا يملك إمساكهم واستعمالهم، لكن اللَّه سخرهم له حتى عملوا له وذَلُّوا له وخضعوا.

والثالث: وكنا لهم حافظين عن الخلاف له. واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (٨٤)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ)، وقال في آية أخرى: (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)، ذكر في سليمان أنه سلطه على الشيطان، وجعلهم مسخرين له يستعملهم في كل أمر وعمل شاء، وذكر في أيوب على أثر قصة سليمان أنه سلط الشياطين عليه وصار كالمسخر لهم؛ حيث قال: (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) حتى يعلم أن تسخير الشياطين لسليمان كان له إفضالاً وإنعامًا، لم يكن سبق منه ما يستوجب به ذلك ويستحقه، ولا كان من أيوب إليه من العصيان ما يستحق ذلك، وما أصابه من البلاء منه عدل، وكان ما يعطي من السلامة والصحة رحمة منه ونعمة، وله أن يعطي من شاء ما شاء، ويحرم من شاء ما شاء، ألا ترى أنه قال في آخره لما رد عليه ما أخذ وكشف عنه البلاء: (ورَحْمَةً مِنَّا)، ولو كان ذلك حقا له على اللَّه لم يكن لذكر الرحمة معنى، فهذا يرد على المعتزلة مذهبهم: أن على اللَّه الأصلح لهم في دينهم؛ لأن ما أصاب أيوب من البلايا أضاف ذلك إلى الشياطين حيث قال: (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)، ولو كان ذلك أصلح له في دينه لكان لا يضيف فعل الأصلح له في الدِّين إلى الشياطين؛ فدل على أنه ليس على ما يذهبون إليه.

ثم قوله: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) شبيه أن يكون فيه إضمار دعاء؛ كأنه قال: أني مسني الضر فارحمني وعافني وأنت أرحم الراحمين؛ ألا ترى أنه قال: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) دل أنه على الدعاء خرج.

والثاني في قوله: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) وصرت بحال يرحمني من رآني من الخلق وأنت

<<  <  ج: ص:  >  >>