وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) قال أهل التأويل: (لِلطَّائِفِينَ) هم القادمون من البلدان (وَالْقَائِمِينَ): المقيمين هنالك (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ): المصلين.
ويحتمل قوله:(لِلطَّائِفِينَ): لكل طائف به، (وَالْقَائِمِينَ)، (وَالْعَاكِفِينَ) ١٢٥: لكل عاكف نحوه، والعكوف هو المقام للعبادة، (وَالْقَائِمِينَ): لكل قائم عاكف نحوه، (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) وساجد نحوه، أي: لكل مصل، وهذا أشبه، واللَّه أعلم.
أحدهما: على الإعلام: أن أعلم الناس: أن لله عليهم الحج بالبيت، كقوله:(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ. . .) الآية.
والثاني:(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) أي: ادع الناس ونادهم أن يحجوا البيت.
قال أهل التأويل: لما أمر اللَّه إبراهيم ينادي في الناس بالحج، فنادى، فأسمع الله صوته ما بين المشرق والمغرب، حتى أسمع صوته ونداءه من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فقالوا:(لبيك)، ومن حج بيته فهو الذي أجاب إبراهيم لما ناداهم بالحج.
لكن لا يعلم ذلك إلا بالخبر عن رسول اللَّه أنه كان ما ذكروا، وإلا السكوت عنه وعن مثله أولى.
وجائز أن يكون قوله:(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) لرسول اللَّه، أو لكل رسول بعث الأمر بذلك في كل زمان، واللَّه أعلم بذلك.
وقوله:(يَأْتُوكَ رِجَالًا) أي: على الأرجل مشاة (وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ)، أي: يضمر ويذهب سمنه؛ لبعد المضرب، وهو ما ذكر:(يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) أي: من كل بعيد.
ثم قوله:(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) على الدعاء والأمر، فيكون في قوله:(يَأْتُوكَ رِجَالًا) دلالة لزوم الحج على المشاة، كأنه قال: مرهم يحجّون مشاة على الأرجل وركبانا، وإن كان على الإعلام فهو على الوعد والجزاء: أنهم يأتونك على الأرجل مشاة وعلى الدواب.