للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقرون بوحدانية اللَّه تعالى، فإذا أقروا به رفع عنهم القتال، والثاني في الذين يقرون به ولا يؤمنون بالرسالة، فإذا آمنوا بها رفع عنهم القتال، والثالث في الذين يقرون باللَّه ويؤمنون برسوله لكنهم ينكرون الشرائع، فإذا أقروا بها رفع عنهم القتال. كانوا أنواعًا ثلاثة على ما ذكرنا؛ فجاء في كل فريق ما ذكرنا، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ. . .) إلى آخر ما ذكر، وقال في آية أخرى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) وفي موضع آخر: (لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)، ونحوه.

قَالَ بَعْضُهُمْ: دفع بالنبيين عن المؤمنين، ودفع بالمجاهدين عن القاعدين ما لو لم يدفع لهدمت كذا وما ذكر، أي: دفع بالأخيار عن الأشرار، وبالأخير عن الأدون، وإلا لهدمت وفسد ما ذكر.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: لولا أن اللَّه يدفع بمن يصلي عمن لا يصلي، وبمن يصوم عمن لا يصوم، وبمن يحج عمن لا يحج، وبمن يزكي عمن لا يزكي، وبمن يفعل الخيرات عمن لا يفعل - لفسدت الأرض، ولهدمت الصوامع، وما ذكر، وعلى ذلك روي عن أبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه صلى بأهل دمشق صلاة الصبح، فقال: لو يعلم الناس ما في هذه الصلاة من الخير لحضروها. ثم قال: لولا أن اللَّه يدفع بمن يحضر المساجد عمن لا يحضرها، وبالغزاة عمن لا يغزو - لجاءهم العذاب قبلا. أو كلام نحو هذا.

وقال الحسن: إن في الصوامع والبيع والكنائس من الرهبان والأحبار من يتمسك بالإسلام وشرائعه فيدفع بهم عمن لا يتمسك منهم.

وقال بعضههم: لولا دفع اللَّه بأهل هذا الذين كلهم، لكان كذا.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: دفع بالمسلمين عن مسجدهم، وبالنصارى عن بيعتهم، وباليهود عن كنيستهم. إلى هذا ذهب أهل التأويل والمتقدمون، ولو قيل غير هذا كان أشبه وأقرب، وهو أن اللَّه خلق هذا الخلق، وجعل بعضهم عونًا لبعض وردءًا في أمر المعاش والدِّين جميعًا، وجعل لبعضهم منافع متصلة ببعض ما لو كلف كله القيام بنفسه فيه، لهلكوا ولم يكن في وسعهم القيام بذلك، نحو أن يكلف أحدًا بالقيام بجميع ما يحتاج إليه من الحراثة، والزراعة، والحصاد، والدياس، والتذرية، والطحن، والخبز، وغيره، ما لو كلف بنفسه بذلك كله لهلك، ولكن جعل بعضهم عونا لبعض وردءًا لهم، وانتفاع بعضهم ببعض، وكذلك الغزل، والنسج، والخياطة، والقطع، والغسل كله على هذا القياس ما لو كلف بنفسه القيام بذلك كله لهلكوا، ولو هلكوا هلك ما لهم خلق من السماوات والأرض

<<  <  ج: ص:  >  >>