للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يجزيهم اللَّه جزاء إحسانهم، ويكفر عنهم مساويهم، ولا يجزيهم بها كقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا. . .) الآية، وكقوله: (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) على قدر حسناتهم، (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) قَالَ بَعْضُهُمْ: ليس فوقه ملك يحاسبه فهو لذلك يرزق من يشاء بغير حساب لا يخاف من أحد يحاسبه كقوله (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ).

ويحتمل قوله: (بِغَيْرِ حِسَابٍ) أي: يعطيهم بلا حساب يحاسبهم، ويدخلهم الجنة بلا محاسبة.

وجائز أن يكون (بِغَيْرِ حِسَابٍ) أي: يعطيهم بلا حساب أضعافًا مضاعفة ما لا يحصى لا على قدر أعمالهم، واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)

وقوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً) جائز أن يكون ضرب مثل أعمال الكفرة بالسراب الذي ذكر من وجهين:

أحدهما: أنهم قد عملوا في الظاهر أعمالا طمعوا أن يصلوا إليها في الآخرة، وينتفعوا بها من نحو الصدقات، والنفقات، وصلة الأرحام، ونحوه مما هي في الظاهر أعمال الخير، فإذا هم حُرِمُوا أجرها ولم يجدوا شيئًا كالذي يرى السراب من بعيد يحسبه ماء فسار إليه، فإذا هو لا شيء؛ فعلى ذلك الكفار عملوا تلك الأعمال على طمع منهم أنهم ينتفعون بها، فإذا هم على لا شيء كالعطشان الذي يرى السراب، فحسبه أنه ماء، فإذا هو سراب.

والثاني: ضرب مثل أعمالهم بالسراب الذي ذكر، وذلك أنهم قد عبدوا الأصنام والأوثان رجاء أن ينتفعوا بشفاعتهم في الآخرة؛ كقولهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، وقولهم: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ)، وكانت عبادتهم لما ذكروا من شفاعتهم عند اللَّه ثم لم ينتفعوا فصاروا كالعطشان الذي يرى السراب يحسب أنه ماء؛ فإذا جاءه وجده سرابًا؛ لم يجده ماء كما حسبه، إلى هذا تمام المثل.

ثم ابتدأ فقال: (وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ) أي: وجد اللَّه يوفيه حساب عمله وجزاءه.

<<  <  ج: ص:  >  >>