للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شيء، وله الحول والقوة.

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: ماء أجاج: شديد الملوحة، ويقال: أجّ الماء يؤجّ أجّا فهو أجاج، ويقال: عاج، أي: ماء روي به.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (٥٤) أي: من النطفة؛ يخبر عن فضله ومنَّته وقدرته ولطفه.

أما لطفه وقدرته: فحيث خلق البشر من النطفة، ولو اجتمع جميع حكماء البشر على أن يعرفوا أو يدركوا البشر من النطفة أو يدركوا كيفيته - لم يقدروا على ذلك؛ دل أنه قادر بذاته لطيف لا يعجزه شيء.

وأمَّا فضله ومنَّته: فما أخبر أنه جعل لهم نسبًا وصهرا؛ أمّا النسب فيه يتعارفون ويتواصلون ما لولا ذلك ما تعارفوا ولا تواصلوا، وأما الصهر فلما به يتزاوجون ولوادون ويتوالدون؛ كقوله: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً)، وقال: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، يذكر فضله ومنته؛ ليتأدى به شكره؛ ليعلم أن خلق مثل هذا لا يخرج عبثًا باطلا بلا محنة ولا عاقبة، وكأن النسب: ما لا يجري بينهم التناكح والتزاوج، والصهر: ما يحل ويجري بينهم التناكح والتزاوج.

وفي حرف حفصة: (وهو الذي خلق من الماء نسبا وصهرا). قال أبو معاذ: الصهر الفتى وآله، والختن: أبو المرأة، والختنة: أم المرأة، والأختان: آل المرأة وأهلها، والأصهار، آل الفتى وأهله.

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (وَصِهْرًا) من المصاهرة، وكلهم أصهار من الجانبين جميعًا، والمعروف عندنا: أنه إنما يسمى قرابة الزوج: أختانًا، وقرابة المرأة أصهارًا، وذلك لسان فهو على ما تعارفوه بينهم، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (٥٥) أي: يعبدون من دون اللَّه ما يعلمون أنه لا ينفعهم في الآخرة إن عبدوه، ولا يضرهم في الدنيا إن تركوا عبادته؛ يذكر سفههم بعبادتهم من يعلمون أنه لا ينفع ولا يضر، وتركهم العبادة لمن ينفعهم إن عبدوه ويضرهم إن تركوا عبادته؛ وهو كما ذكر: (هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ. .) الآية، وأمثال ما ذكر في غير آي من القرآن سفه أُولَئِكَ بعبادتهم للأصنام، وتركهم عبادة اللَّه تعالَى.

وقوله: (وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا) أي: تأويله - واللَّه أعلم -: وكان الكافر للكافر ولوليه ظهيرا على من أطاع ربه، يكون بعضهم ببعض عونًا وظهيرًا على أولياء اللَّه، وإلا لا يكون الكافر على اللَّه ظهيرًا، ولكن على أوليائه، ويكون ذكر الرب على إرادة وليه ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>