للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) الخبء: ما يخبأ من الشيء ما كان.

قَالَ بَعْضُهُمْ: خبأ في السماء المطر فيخرج، وفي الأرض النبات فيخرج ذلك النبت.

ويحتمل الخبء ما يخبئ بعضهم من بعض وشر بعضهم بعضا، يخبر أنه يظهر ذلك ويعلمه؛ ألا ترى أنه قال: (وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) على الوعيد؛ ليكونوا على حذر أبدًا.

وفي حرف حفصة: (ألا يسجدون لله الذي له الغيب في السماوات والأرض).

وقوله: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) ذكر هذا - واللَّه أعلم - جواب قوله: (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ)، يقول: رب العرش العظيم هو اللَّه الذي لا إله إلا هو، لا هي، أعني: بلقيس.

وقوله: (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧) أي: ننظر أصدقت فيما أخبرت وأتيت من أمر بلقيس، أم كنت من الكاذبين في ذلك؟ وقف في خبره، ولم يصدقه ولم يكذبه إلى أن يظهر له الصدق أو الكذب؛ وهكذا الواجب على كل من أخبر بخبر أن يقف فيه إلى أن يظهر له الحق في ذلك، إذا كان الخبر ممن يحتمل الغلط والكذب.

ثم قال له: (اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (٢٨) لا يحتمل أن يكون سليمان أمر الهدهد بذهاب الكتاب إليها ويوليه تبليغ ذلك إليها، وهو أعظم من خبره الذي أخبره بذلك بعدما وقف في خبره قبل أن يتبين ويظهر له صدقه في خبره؛ فدل توليته إياه تبليغ الكتاب إليها أنه قد ظهر له صدقه فيما أخبره من أمر تلك المرأة، إما بوحي من اللَّه تعالى إليه، أو انتهى إليه من الخبر ما قد علم بذلك علم يقين وإحاطة، فعند ذلك ولاه تبليغ الكتاب إليها حيث قال له: (اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ).

وقوله: (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ) يحتمل وجهين:

أحدهما: ألق الكتاب إليهم ثم تول، أي: استتر واختف عنهم، فانظر ماذا يقولون، وماذا يرددون فيما بينهم من الكلام والجواب؟

والثاني: على التقديم والتأخير؛ كأنه قال: ألق الكتاب إليهم، فانظر ماذا يرجعون من الجواب؟ ثم تول عنهم، أي: أعرض عنهم؛ ففعل ما قال له سليمان من إلقاء الكتاب إليها، وإن لم يذكر في الآية.

* * *

قوله تعالى: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (٣٣) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>