للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يحسب الناظر إليه كأنه ساكن جامد؛ لكثرتهم وازدحامهم؛ فعلى ذلك الجبال.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا، ولكن لشدة ذلك اليوم وهوله وفزعه على الناس يحسبون كأنها جامدة، (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) وهو ما ذكر: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى. . .) الآية؛ لشدة ذلك اليوم ونزعه. وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا، ولكن الجبال لهول ذلك اليوم وفزعه تمرّ مر السحاب وسيره؛ كقوله: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ)، وأصله: إنما يذكر هذا وما تقدم من هول ذلك اليوم وشدته على الخلق؛ ليتعظوا وينزجروا.

وقوله: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ): قَالَ بَعْضُهُمْ: (أَتْقَنَ): أحكم وأبرم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (أَتْقَنَ): أي: أحسن كل شيء.

قال بعض المعتزلة: كيف يكون الكفر حسنا وهو قبيح؛ لأنه شتم رب العالمين، ولا يجوز أن يقال: اللَّه خلق شتم نفسه وأحسن شتم نفسه، أو أحسن كفر الكافر وغير ذلك من الخرافات؟!

فيقال لهم: لا يقول أحد: إنه خلق الكفر وأحسنه أو أحسن شتم نفسه على هذا الإطلاق، من قال ذلك فهو كافر، ولكن يقول: فعل الكفر من الكافر قبيحًا، وخلق فعل المعصية من العاصي قبيحًا، لكنه من حيث خلقه ذلك وجعله حجة عليه حسنًا متقنًا محكمًا، وإن كان ذلك الفعل منه قبيحًا باطلا سفها جورا - أعني: من الكافر - ألا ترى أن من تكلف أن يعرف فعل الكفر منه سفهًا وجورا كان غير مذموم؛ لأنه يتكلف أن يعرف ما هو سفه في الحقيقة سفها، ويعرف ما هو حق حقا فهو من هذا الوجه عارف بحق وحكمة؛ لأن الحكمة توجب أن يعرف كل شيء على ما هو في نفسه حقيقة؛ فعلى ذلك خلق فعل الكفر من الكافر على الوجه الذي ذكرنا هو حسن متقن محكم، وإن كان من حيث فعل الكافر قبيحًا سفهًا باطلا، وهذا كما نصفه على الإطلاق: أنه رب كل شيء وخالق كل شيء، ولا نقول: يا خالق الأنجاس ويا رب الأقذار ونحوه، وإن كان هذا داخلا في الجملة أنه خالقها وربها؛ لأنه على الإطلاق يخرج مخرج المدح له والثناء وعلى التخصيص مخرج الذمِ له؛ فعلى ذلك الأول.

وقوله: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ): على أثر وصف الجبال بما وصف من انتقاضها

<<  <  ج: ص:  >  >>