للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فليس أنهم لا ينهون ولا يمنعونهم عن ذلك إذا رأوا النهي ينجع فيهم، وإذا رأوه لا ينجع فيهم، فعند ذلك أعرضوا عنه؛ وهو كقوله: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا).

وقوله: (وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ): يقولون هذا لهم إذا لم ينجع النهي والموعظة ولم يقبلوا ذلك، عند ذلك يقولون: (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ)، أي: لكم جزاء أعمالكم ولنا جزاء أعمالنا؛ وكذلك قوله: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، لم يقل هذا لهم في ابتداء الدعاء، ولكن بعدما أيس عن إيمانهم وإجابتهم؛ فعلى ذلك الأول.

وقوله: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ): هذا يشبه أن يخرج على وجهين: أحدهما: على القول منهم بالسلام عليهم، أي: كانوا لا يخاطبون الجهال، ولا يخاطبونهم إلا بالسلام خاصة، بهذا القدر يخالطونهم حسب.

والثاني: ليس على حقيقة قول: السلام عليهم، ولكن على الصلح وترك المكافأة لهم، وتركهم إياهم على ما هم عليه؛ إذ السلام هو الصلح، واللَّه أعلم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: ردوا عليهم معروفًا (لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)، يعنون: لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه.

وقوله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) ذكر أهل التأويل أن هذا نزل في أبي طالب عم النبي، وذلك أن أبا طالب قال: يا معشر بني هاشم، أطيعوا محمدًا وصدقوه تفلحوا وترشدوا، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك؟! " قال: فقال: ما تريد يا ابن أخي؟ قال: " أريد منك كلمة واحدة في آخر يوم من الدنيا: أن تقول: لا إله إلا اللَّه؛ أشهد لك بها عند اللَّه " قال: يا ابن أخي، قد علمت أنك صادق، ولكن أكره أن يقال: جزع عن الموت، ولولا أن يكون عليك وعلى بني أبيك وأخيك غضاضة ومسبة بعدي لقلتها، ولأقررت بها عينك عند الفراق؛ لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك، ولكن سوف أموت على ملة الأشياخ فلان وفلان؛ فأنزل اللَّه ذلك: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، فهو على المعتزلة؛ لأنهم يقولون: أن الهدى البيان،

<<  <  ج: ص:  >  >>