للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هو ما ذكرنا في قوله: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) أي: ما كان بأمر اللَّه وتقديره مقدورا.

قال أَبُو عَوْسَجَةَ: الدعي: الذي يدعى بعدما يكبر، والادعاء أن يكون الرجل نفى ولده ولم يقبله، ثم ادعاه من بعد ذلك، هذا هو المعروف عندي.

قال: وفي موضع آخر: (وَلَهُم مَا يَدَّعُونَ)، أي: ما يتمنون ويشتهون، ويقال: " ظللنا اليوم فيما ادعينا " أي: وجدنا كل ما اشتهينا، يقال من هذا: ادعيت أدعي ادعاء. وقال: الوطر: الحاجة، والأوطار: جميع، والخيرة، أي: صيرت إليهم الخيرة، وهو من قولك أي شيء - تختار؛ (مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)، أي: لم يجعل إليكم الاختيار: إن شئتم فعلتم، وإن شئتم لم تفعلوا، والقنوت في الأصل: القيام؛ على ما ذكرنا.

وقوله: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٣٩)

يقول أهل التأويل: هو مُحَمَّد عر خاصة؛ فمعناه - واللَّه أعلم - إن كان هو المراد به: أنه فيما تزوج حليلة دعيه زيد مبلغ رسالات ربه، حيث قال: (لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ)، وتبليغ الرسالة يكون مرة بالخبر والقول، ومرة بالفعل، يلزم الناس في اتباعه في فعله كما يلزم في خبره وأمره، إلا فيما ظهرت له الخصوصية في فعل ما.

وجائز أن يكون قوله: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ) هم الأنبياء الذين قال: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ)، نعتهم، وقال: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ): فسنة اللَّه في مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كسنة أُولَئِكَ الذين كانوا من قبل فيما ذكر، (وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ)، يقول - واللَّه أعلم -: يخشون اللَّه في ترك تبليغ الرسالة، ولا يخشون أحدًا سواه في التبليغِ، ويكون قوله: (إِلَّا اللَّهَ)، بمعنى: سواه؛ على المبالغة في الأمر، وإلا لو قال: (وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا) كافيًا، أي: لا يخشون أحدًا فيما يبلغون، لكن يحتمل ما ذكرنا: ألا يخشوا أحدًا فيما يبلغون سواه.

وجائز أن يكون قوله: (وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) بما يصيبهم من الأذى والبلاء بالتبليغ، يقول: لا يرون ذلك من أُولَئِكَ، ولكن بتقدير من اللَّه إياه؛ وإلا كانوا يخافون من أُولَئِكَ؛ ألا ترى أنهم قالوا: (إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى)، وحيث قال موسى: (فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ)، و (أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ)، ونحوه.

أو أن يكون في الابتداء خافوهم، ثم أمنهم اللَّه؛ فلم يخافوا؛ حيث قال: (لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا).

<<  <  ج: ص:  >  >>