للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابْنُ اللَّهِ)، وإنه (ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ)؛ وفي مشركي العرب،

حين قالوا: الملائكة بنات اللَّه، والأصنام آلهة، ونحو ذلك، وأذاهم رسول اللَّه حين شجُّوه وكسروا رباعيته، وقالوا: إنه مجنون، أو ساحر، وأمثال ذلك؛ فأنزل اللَّه: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ)، يقول: عذبهم اللَّه (فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ):

فأما تعذيبه إياهم في الدنيا: قتلهم بالسيف يوم بدر - يعني: مشركي العرب - وأهل الكتاب: بالجزية إلى يوم القيامة.

وفي الآخرة: النار.

وقَالَ بَعْضُهُمْ قريبًا من ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) هم أصحاب التصاوير والتماثيل؛ فلهم ما ذكر.

وقوله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨)

أي: يقعون فيهم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) هم الذين قذفوا عائشة بصفوان؛ آذوا رسول اللَّه في زوجته عائشة حين قذفوها، وهي بريئة مما قذفوا.

وقوله: (الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ): صفوان وعائشة.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: نزلت في علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعلى هذا: عذابهم في الدنيا الجلد، وفي الآخرة: النار.

وجائز أن يكون هذا الوعيد في قاذف كل مؤمن ومؤمنة بغير ما اكتسب به، واللَّه أعلم.

وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) إضافة الأذى إلى اللَّه؛ على إرادة رسوله خاصة؛ لأن اللَّه لا يجوز أن يقال: إنه يتأذى بشيء، أو يؤذيه شيء؛ لأن الأذى ضرر يلحق، والله يئعالى عن أن يلحقه ضرر أو نفع؛ بل هو القاهر الغالب القادر الغني بذاته، ويكون المراد بإضافة الأذى إليه: رسوله خاصة، على ما ذكرنا في قوله: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ)؛ أي: يخادعون رسوله، أو يخادعون أولياءه؛ لأن اللَّه - تعالى - لا يخادع، وكقوله: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، أي: إن تنصروا دين اللَّه ينصركم، أو إن تنصروا رسوله وأولياءه ينصركم، وأمثال ذلك كثير في القرآن؛ نسب ذلك إلى نفسه على إرادة أوليائه، فعلى ذلك هذا، واللَّه أعلم، وباللَّه العصمة والتوفيق.

إلا أن يريد بالأذى - أعني: ما ذكر من أذى اللَّه -: المعصية؛ فهو جائز، وكذلك ما

<<  <  ج: ص:  >  >>