للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي الآية دلالة رخصة خروج الحرأئر للحوائج؛ لأنه لو لم يجز لهن الخروج لم يؤمرن بإرخاء الجلباب على أنفسهن؛ ولكن ينهاهن عن الخروج؛ فدل أنه يجوز لهن الخروج للحاجة، واللَّه أعلم.

وقوله: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (٦٠)

جائز أن يكون قوله: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ) عما سبق ذكره من التعرض للنساء بالزنا والفجور بهنّ؛ وإنهم هم الفاعلون لذلك بهن. وأما المسلمون فلا يحتمل أن يتعرضوا لشيء من ذلك في ذلك الوقت؛ فقال: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ) ومن ذكر، عن ذلك يفعل بهم ما ذكر.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: إن أهل النفاق كانوا يرجفون أخبار العدو ويذيعونها، ويقولون: قد أتاكم عدد وعدة من العدو؛ كقوله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ): كانوا يجبنونهم ويضعفونهم؛ لئلا يغتروا أُولَئِكَ الكفرة، يسرون النفاق والخلاف لهم، ويظهرون الوفاق ويسرون فيما بينهم، ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول؛ فنهوا عن ذلك؛ حيث قال: (فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ)؛ فنهوا عن ذلك؛ فقال هاهنا: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) عن صنيعهم ذلك، (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا).

قَالَ بَعْضُهُمْ: (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ)، أي: لنسلطنك عليهم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: لنحملنك عليهم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: لنولعنك بهم.

وكأن الإغراء هو التخلية بينه وبينهم؛ حتى يقابلهم بالسيف ويقتلهم، وكان قبلى ذلك يقابلهم باللسان، لم يأمره بالمقابلة بالسيف إلى هذا الوقت، وأخبر أنهم (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا).

أي: مطرودون أينما وجدوا؛ لأن اللعن هو الطرد، وأنهم يقتلون تقتيلا، وأنهم لا يجاوروند، إلا قليلا فيما لا تعلم بهم.

وقوله: (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هبم الزناة، و (الْمُنَافِقُونَ)، هم

<<  <  ج: ص:  >  >>