للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) قوله: (إِذَا مُزِّقْتُمْ) يحتمل أن قالوا: النبي، يقول: إذا تفرقت جوارحكم وأعضاؤكم تكونوا خلقًا جديدًا، فإن كان على هذا فهو - واللَّه أعلم - كان من أهل الدهر ذلك القول؛ لأنهم يقولون بقدم العالم، ولا يقولون بفنائه؛ لأن أهل مكة كانوا فريقين: فرقة تذهب مذهب أهل الدهر، وفرقة يقولون بحدث العالم، ويقرون بفنائه، لكنهم ينكرون إحياءه بعد الفناء. فإن كان ذلك من هَؤُلَاءِ؛ فيكون قوله: (يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ)، أي: إذا ذهبت أجسادكم، وفنيت اللحوم والعظام، وكنتم رمادًا ورفاتا (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)، أي تكونون خلقا جديدا، يخرج ذلك منهم على أحد وجهين: إما على استبعاد ذلك في أوهامهم وعقولهم، أي: لا يكون ذلك.

أو على التعجب: أن كيف يكون ذلك؟! فقال عند ذلك: (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (٨)

يقولون: أفترى مُحَمَّد على اللَّه كذبا أم به جنون؟ إذ لم نسمع ذلك من أحد من قبل، ولا رأينا ذلك أنه كان ما ذكر، فرد اللَّه ذلك عليهم وقال: (بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ)، أي: بالبعث والإحياء بعد الموت - هم المفترون على اللَّه، هم (فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ).

جزاء قولهم: أم به جنون؟ يقول: بل هم في ضلال بعيد، الضلال البعيد: كأنه هو الذي لا يرجع إلى الهدى أبدًا؛ فتكون الآية في قوم: علم اللَّه أنهم يختمون على الضلال، ولا يؤمنون أبدًا؛ فيكون في ذلك دلالة إثبات الرسالة.

وقوله: (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩)

قد ذكرنا قوله:

(أَفَلَمْ يَرَوْا)؛ (أَلَمْ تَرَوْا)، ونحوه أنه يخرج على وجهين:

أحدهما: قد رأوا على الخبر.

والثاني: على الأمر: أن انظروا (إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).

ثم يقول بعضهم لبعض: حيثما قدم الإنسان رأى بين يديه من السماء مثل السماء التي يرى خلفه، وكذلك الأرض.

وقتادة يقول: لينظروا كيف أحاطت بهم السماء والأرض، وهما واحد.

(إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ)، كما خسفنا بمن كان قبلهم، (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ).

<<  <  ج: ص:  >  >>