للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحتمل: لن نؤمن لك أَنه إله، ولا نعبده حتى نراه جهرة عيانًا.

فاحتج بعض من ينفي الرؤية في الآخرة بهذه الآية؛ حيث أَخذتهم الصاعقة لما سأَلوا الرؤية.

قالوا: فلو كان يجوز أَن يُرى لكان لا تأْخذهم الصاعقة، ولا استوجبوا بذلك العذاب والعقوبة.

وأَما عندنا، فإنه ليس في الآية دليل نفي الرؤية، بل فيها إثباتها.

وذلك أَن موسى - عليه السلام - لما سُئل الرؤية لم ينههم عن ذلك، ولا قال لهم: لا تسأَلوا هذا.

وكذلك سأَل هو ربه الرؤية، فلم ينهه عنها، بل قال: (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي)، وإذا صرف الوعد لا يجوز ذلك، لو كان لا يحتمل؛ لأَنه كفرٌ، ومحال ترك النهي عنه.

وكذلك ما روى في الأَخبار: من سؤال الرؤية لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حيث قالوا: أَنرى ربنا؛ لم يأْت عنه النهي عن ذلك، ولا الرد عليهم؛ فلو كان لا يكون لنُهوا عن ذلك ومنعوا.

وإنما أَخذ هَؤُلَاءِ الصاعقةُ بسؤالهم الرؤية؛ لأَنهم لم يسألوا سؤال استرشاد، وإنما سأَلوا سؤال تعنت.

دليل التعنت، فيما جاءَ من الآيات، من وجه الكفاية لمن يُنْصف؛ لذلك أَخذتهم الصاعقة، واللَّه أعلم.

أَو أَن يقال: أَخذتهم الصاعقة بقولهم: (لَن نُؤمِنَ لَكَ)، لا بقولهم: (حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً). وسنذكر هذه المسألة في موضعها، إن شاءَ اللَّه تعالى.

وقوله: (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ).

قيل: الصاعقة كل عذاب فيه هلاك.

لكن الهلاك على ضربين:

هلاك الأَبدان والأَنفس.

<<  <  ج: ص:  >  >>