للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (١٦) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ. . .).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩)

قد ذكرنا فيما تقدم أن حرف الاستفهام من اللَّه تعالى يخرج على الإيجاب والإلزام مما لو كان ذلك من مستفهم حقيقة يتضمن الجواب له، فقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) جواب لقولهم: (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا) فجوابه لهم ليس عندهم رحمة ربك حتى يختاروا الرسالة والنبوة لأنفسهم أو لمن شاءوا هم؛ كقولهم: (لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)، كانوا لا يرون وضع الرسالة إلا [فيمن] كانت له أموال وله سعة في الدنيا وفضل مال، فيذكر أن ليس عندهم خزائن ربك حتى يجعلوا الرسالة والنبوة فيمن شاءوا هم واختاروا لذلك، قال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ)، أي: لا يملكون قسمة رحمة ربك، بل (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. . .) الآية، يخبر أنهم على ما لا يملكون توسيع المعيشة على من ضيق عليه ورفع من وضع؛ فعلى ذلك ليس إليهم اختيار النبوة والرسالة لمن شاءوا واختاروا، بل اختيار ذلك إلى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فقالوا: أئذا كنا أحق بهذا في الدنيا فنحن أيضًا أحق بالرسالة والنبوة على ما نحن أحق في الدنيا بالسعة والفضل فيها، بل لو عرفوا أن ما نالوا من السعة في الدنيا وفضل الأموال إنما نالوا ذلك برحمة الله وفضله لا بحق كان لهم على اللَّه، فلو عرفوا، كانوا لا ينكرون وضع الرسالة فيمن اختار اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - وضعها فيمن شاء، وعلى ذلك قول المعتزلة: إنهم لا يريدون لله أن يفعل بأحد شيئًا إلا ما هو أصلح له في الدِّين، وأنه لو فعل ما ليس بأصلح له في الدِّين، كان جائرًا ظالمًا، فيرون حفظ الأصلح له حقًّا كما رأى أُولَئِكَ الكفرة السعة والأموال حقا على اللَّه، فرأوا أنفسهم أحق أيضاً بالرسالة والنبوة من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.

ثم إن المعتزلة يقولون في ألم الصغار: إن ليس لله أن يؤلمهم إلا بعوض يجعل لهم بإزاء ذلك الألم عوضاً يرضون هم بذلك؛ إذ جعلوا أنفسهم له حقيقة حيث لم يجعلوا لله الإيلام إلا بالعوض، ومن أخذ حقًّا لغير لا يأخذه إلا ببدل وعوض برضاء ذلك الغير، فهذا تناقض في قولهم: إن على اللَّه حفظ الأصلح للخلق في دينهم حيث لم يجعلوا له ذلك إلا بعوض يجعل لهم، واللَّه أعلم.

ودل اتفاق القول: إنه وهاب، على أن ما ينال من خير أو سعة أو فضل إنما ينال برحمة وفضل لا بحق عليه؛ لأن من أدى حقا عليه لا يقال: إنه وهاب، ولا يسمى: وهابًا، على ما أعطى من أعطى، إنما أعطاه تفضلا منه ورحمة لا حقًّا كان عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>