للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بينه وبينها كان غير مكلف بها ولا مخاطبًا معذورًا، ومن لم تمنع عنه ومكن من ذلك إلا أنه ترك العمل به كان مكلفاً به غير معذور؛ لأنه هو الذي ضيع ذلك وتركه بالاختيار، والأول غير مضيع لها ولا تارك لذلك أمر؛ وذلك على المعتزلة، واللَّه الموفق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)

سماه: مباركًا؛ لأن من اتبعه وتمسك به وعمل بما فيه صار شريفًا مذكورًا عند الناس عظيما على أعينهم وقلوبهم، وذلك عمل المبارك أن ينال كل بر وخير يكون أبدًا على الزيادة والنماء، واللَّه اعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).

أخبر أنه أنزله؛ ليدبروا في آياته؛ ليعرفوا ما لهم وما عليهم وما يؤتى وما يتبع، إنما يعرف ذلك بالتأمل والتدبر والتفكر.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).

أي: ليتذكر وليتعظ أولو الألباب بما فيه من المواعظ والآداب وغير ذلك.

* * *

قوله تعالى: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ. فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).

أثنى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - على داود وابنه سليمان - عليهما السلام - بالأوبة إليه والرجوع، وهو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ - في داود - عليه السلام -: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، وقد فسرنا الأواب.

وقال في سليمان - عليه السلام -: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ. . .) إلى آخر ما ذكر.

دل ذكر قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ) على أثر قوله: (إِنَّهُ أَوَّابٌ) أنه إنما كان أوابًا بالذي ذكر منه؛ لأن حرف (إِذْ) لا يذكر إلا عن شيء سبق، وسمى - عَزَّ وَجَلَّ - داود - عليه السلام -: أوابًا بما ذكر من تسبيحه بالعشي والإشراق والفزع إليه بما هو به، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (٣١)

<<  <  ج: ص:  >  >>