للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم الخطاب، وإن كان في الظاهر لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فهو لكل أحد يحتمل النظر والتأمل، ثم جهة الحكمة المودعة فيها ما ذكر من إنزال الماء من السماء، وجعله ينابيع في الأرض، والينابيع هي العيون التي تخرج من الأرض، والآبار التي جعلت فيها؛ ليعلم أنّ المياه الخارجة من الأرض والجارية فيها أصلها من السماء، منزلة منها، وهي طهور؛ على ما أخبر أنه أنزله طهورًا، وإن اختلف طبعه لاختلاف جواهر الأرض ما لم يخالطه شيء من جواهر الأرض من القذر والنجاسة وغيرها من الألوان التي تخرجه عن أن يكون طهورًا وتغيره عن جوهره الذي أنزل من السماء، ثم جعل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - في سِرية ذلك الماء معنى ولطفًا ما يوافق جميع الأشجار والنبات، وكل خارج من الأرض وإن اختلفت جواهرها وألوانها وطعمها؛ ليعلم أن من قدر على جعل ما جعل في الماء من اللطف، والمعنى الذي يوافق كل شيء من النبات والشجر وإن اختلفت جواهرها وألوانها وطعمها، لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه شيء، ولا قوة إلا باللَّه.

أو أن يقول: إن من تكلف زرع الزراعة في الأرض، ويتحمل المؤن العظام إلى أن بلغ المبلغ الذي ينتفع به وينال منه النفع فتركه لم ينتفع به؛ أليس يوصف بالسفه وبغير الحكمة، فكذلك اللَّه - سبحانه - لما أنشأكم صغارًا طفلا وغذاكم بألوان الأغذية والأطعمة حتى كبرتم وبلغتم مبلغ الانتفاع بكم، ثم أتلفكم بلا عاقبة تقصد في ذلك كان غير حكيم، وقد عرفتموه حكيمًا؛ فدل أن المقصود في ذلك كله حتى يكون إنشاؤه إياكم صغارًا وتربيته إياكم بالوان الأغذية التي جعل لكم حكمة - هو البعث ما لولا ذلك كان سفهًا غير حكمة؛ على ما ذكر من إخراج الزرع من الأرض بالماء الذي أخرج، ثم تركه فيها حتى صار يابسًا لا ينتفع به كان سفيهًا غير حكيم، فعلى ذلك ما كان عند أُولَئِكَ الكفرة أن لا بعث كان ما ذكر، واللَّه أعلم.

وقوله - تعالى -: (إِنَّ فِي ذَلِكَ) أي: فيما يذكر من إنزال الماء من السماء وإدخاله في الأرض وإخراج ما ذكر منها به وما ذكر - موعظة لأولي الألباب؛ أي: لمن انتفع بلبه وعقله؛ لما ذكرنا، وما ذكر لأهل الجنة من الغرف وغير ذلك.

وقوله: (فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ) أي: أدخله فيها وجعله ينابيع؛ أي: عيونًا.

وقوله: (ثُمَّ يُخْرِجُ) أي: ييبس.

وقوله: (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا) متكسرًا مثل الرفات والفتات، وهو قول أبي عَوْسَجَةَ والْقُتَبِيّ، ويقال: هاجت الأرض: إذا ابتدأت في اليبس، حطاما، أي: متكسرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>