للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ورأَوا التشديد، والمشقة- أَبوا قبولها، وتركوا العمل بما فيها من الأَحكام والشرائع؛ فخُوِّفُوا برفع الجبل فوقهم؛ فقبلوا ذلك، واللَّه أعلم.

وقوله: (فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

يحتمل وجوهًا:

قيل: فضل اللَّه عليكم الإسلام ورحمته: القرآن.

وقيل: فضل اللَّه عليكم بمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، بعث إليكم رسولًا؛ ليجمعكم، ويؤلف بينكم، ويدعوكم إلى دين اللَّه الحق، بعد ما كنتم في فترة من الرسل، وانقطاع من الدِّين والعمل.

ويحتمل: فضل اللَّه عليكم؛ لما أَنجا آباءَكم من العذاب، ولم يرسل عليهم الجبل، وإلا ما توالدتم أَنتم.

وقيل: فضل اللَّه عليكم؛ لما أَعطاهم التوراة، ووفقهم على قبولها، وإلا كنتم من الخاسرين. وبعضه قريب من بعض.

وقوله: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ (٦٥)

فيه دلالة إثبات رسالة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.

كأنه قال: ولقد علمتم أَن محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يعلم الذين اعتدوا منكم في السبت، ولا كان علم ما فُعِل بهم، ثم علم ذلك؛ فإنما علم باللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لأَنه لم يكن قرأَ كتابكم، ولا كان يختلف إلى أَحد ممن يعرف ذلك؛ فباللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - عرف ذلك، وبه علم؛ فدل: أَنه رسول اللَّه إليكم.

ويحتمل قوله: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).

أي: علمتم ما أَصاب أُولئك باعتدائهم يوم السبت بالاصطياد، وكنتم تقولون: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ). يعني: أَبْناءُ رسل اللَّه وأَحباؤُه.

فلو كان كما تقولون، لم يكن ليجعلهم قردةً -وهي أَقبحُ خلق اللَّه، وأَوحشُه- إذ مثل ذلك لا يُفعل بالأَحباء ولا بالأَبناءِ.

أَو أَن يحمل على التحذير لهَؤُلَاءِ؛ لئلا يُكذبوا محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولا يعصوه في أَمره، فيصيبكم ما أَصاب أُولَئِكَ؛ بتكذِيبهم موسى، وعصيانهم أَمرَه، واللَّه أعلم.

ثم سبب تحريم الاصطياد في السبت كان -واللَّه أعلم- لما قيل: إن موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أراد أَن يجعل يومًا لله، خالصًا للطاعة له، والعبادةِ فيه -وهو يوم الجمعة- فخالفوا هم أَمره

<<  <  ج: ص:  >  >>