للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في النار؛ لأنه قال: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) وكل مرتكب الكبيرة مصدق بالذي جاء به جبريل ومُحَمَّد، ثم أخبر أنهم هم المتقون؛ أي: اتقوا الشرك، وقال لأُولَئِكَ - أيضًا -: إنه يكفر عنهم ما ارتكبوا من المساوي، وهو قوله: (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) دل أن لهم مساوي، ثم إن شاء عذب على تلك المساوئ وقتا ثم أعطاهم ما وعد، وإن شاء عفا عنهم وتجاوز وأعطاهم ما ذكر، فكيفما كان، فلهم ما ذكر؛ إذ هم على تصديق بما جاء به مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، واللَّه أعلم.

وجائز أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) يحتمل وجهين:

أحدهما: صدق بقلبه؛ أي: جاء بالقول وتصديق القلب.

والثاني: صدق به في المعاملة في اختيار كل ما يصلح ويوافق الذي جاء به، وعلى ذلك ذكر عن الحسن قال: يا ابن آدم، قلت: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فصدقها.

فإن كان التأويل هذا فهو أشد، لكنه وإن لم يعمل الذي يوافق الذي جاء به وهو التوحيد لم يجتنب ما ذكرنا، فإن له ما ذكر إما بعد التوحيد، وإما بعد العفو، واللَّه أعلم.

وقوله: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) دل هذا أن ذلك الوعد للجماعة، ليس لواحد ولا اثنين، وهو لجميع المؤمنين.

وقوله: (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥) ذكر نوعين من العمل السيئ والحسن، ثم أخبر أنه يكفر عنهم أسوا الذي عملوا ويجزيهم بأحسن الذي كانوا يعملون، فيحتمل: الأحسن: الحسنات نفسها يجزيها، ويكفر السيئات.

ويحتمل أنه يكفر أسوأ السيئات وأعظمها، ويجزي على أحسن الحسنات وأعظمها، فعلى هذا أحسن وأسوأ من نوعها، أحسن الحسنات وأسوأ السيئات، وعلى الأول من غير نوعها أي يكفر السيئات، ويجزي بالحسنات، واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (٣٧) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٤٠) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى

<<  <  ج: ص:  >  >>